لم يمضِ على تنفيذ الثنائي أيمن وإبراهيم اغبارية من مدينة أم الفحم داخل الأراضي المحتلة عملية فدائية قتلا فيها اثنين من المستوطنين في مدينة الخضيرة بين "تل أبيب" وحيفا، حتى جاء الشاب ضياء حمارشة من جنين ليقتل بسلاحه في عملية فدائية نفذها قرب "تل أبيب" 5 مستوطنين، في تطور دراماتيكي لعملية الطعن التي نفذها محمد أبو القيعان في النقب المحتل وقتل فيها 4 مستوطنين.
وكانت النتيجة مقتل 11 مستوطنًا في غضون 8 أيام فقط، بدءًا بعملية أبو القيعان بتاريخ 22 مارس/ آذار، ومن بعدها عملية الفدائي اغبارية 27 مارس، ومن ثم عملية حمارشة 29 من ذات الشهر.
ويرى مراقبون أن مشاركة شبان فلسطينيين ثائرين من الضفة الغربية والداخل المحتل منذ نكبة 1948، في تنفيذ عمليات فدائية في مدن حساسة جدًا بالنسبة للكيان ومنها بئر السبع و"الخضيرة" و"تل أبيب"، تعكس وحدة الموقف في التصدي للاحتلال وانتهاكاته كواحدة في النتائج التي تجلت بقوة خلال معركة "سيف القدس".
وخاضت فصائل المقاومة بغزة وفي مقدمتها كتائب القسام الجناح العسكري لحماس المعركة ضد الاحتلال؛ انتصارًا لقضية القدس وأهالي حي الشيخ جراح المهددين بالتهجير منه، واستمرت حينها 11 يومًا، وخلالها طالت صواريخ المقاومة جميع مدن الداخل الفلسطيني المحتل.
ويرى مراقبون أن ما بعد معركة "سيف القدس" ليس كما قبلها.
معادلات جديدة
وقال الكاتب والمحلل السياسي خالد صادق، إن معركة "سيف القدس" فرضت معادلات جديدة على أرض الواقع في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن إنجازاتها أسست لواقع فلسطيني جديد داخل الوطن وفي الشتات.
وأضاف صادق لصحيفة "فلسطين"، أن "سيف القدس" جعلت الفلسطينيين يشعرون أن المقاومة قادرة على ردع الاحتلال ووقف عدوانه من خلال أدائها الميداني على الأرض.
"وكان لذلك انعكاس إيجابي كبير على رفع معنويات الشعب الفلسطيني وخاصة داخل الأراضي المحتلة، وشاهدنا كيف كان للمعركة أثر كبير في رفع معنويات فلسطينيي الداخل، وكيف تلا ذلك مشاركة في المعركة وما نتج عنه من تفجر انتفاضة عارمة في وجه الاحتلال" بحسب صادق.
وأشار إلى أن فلسطينيي الداخل استطاعوا إثبات قدرتهم على إيذاء الاحتلال وإلحاق الخسائر به، وقد أثبتوا للجميع أنهم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني ولا يمكن انفصالهم عنه.
وبينما نبَّه صادق إلى أهمية الدور الذي يقوم به أهالي الداخل منذ النكبة والعمليات النوعية ضد جنود جيش الاحتلال ومستوطنيه، فإنه يرى في ذلك دلالة قاطعة على أنهم حريصون إلى أبعد الحدود على هويتهم الوطنية الفلسطينية والعربية والإسلامية، ومستمرون في الحفاظ عليها.
واستدرك: أهالي الداخل يريدون إثبات أنفسهم أمام الاحتلال بأنهم لن يكونوا يومًا جزءًا من كيان الاحتلال، وأن القوانين العنصرية التي يسنها الاحتلال ويقرها الكنيست الإسرائيلي لن تمحو هوية أهالي الداخل، وأنهم جزء من المعركة، وسيشاركون أهلهم في أي معارك مع الاحتلال لأنهم جزء من الشعب الفلسطيني.
ونبَّه إلى أن الاحتلال يدرك أنه أمام موجة من العمليات الفدائية، وهو يعلم أن عملية حمارشة في "تل أبيب" لن تكون الأخيرة، في الوقت الذي يعيش فيه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة أوضاعًا مأساوية تحت حراب الاحتلال ويريدون التخلص من الواقع المر.
"وبالتالي هم مقدمون على تنفيذ المزيد من العمليات حتى يدرك الاحتلال أن شعبنا مصر على الخلاص منه ونيل حريته واستقلاله" بحسب صادق.
وتوقع المحلل السياسي تصاعد العمليات الفدائية خلال المرحلة المقبلة، وهي السبيل الوحيد للخلاص من الاحتلال في ظل استمرار سياسة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، وتزامنًا مع مشاريع التطبيع العربي مع الاحتلال، والانكار الدولي والأمريكي لحقوق الشعب الفلسطيني.
امتداد المقاومة
وقال الخبير في الشؤون العسكرية العميد رفيق أبو هاني: إن شعبنا في أماكن تواجده وبجميع مكوناته الوطنية يشترك في حمل هم القضية الفلسطينية، وبالتالي فإن العمليات الفدائية داخل كيان الاحتلال سواء كان المنفذ من الضفة أو القدس أو الداخل نفسه، هو امتداد طبيعي لمقاومة شعبنا.
ورأى أبو هاني خلال حديثه مع "فلسطين"، أن العمليات الفدائية الحالية ترتبط بشكل وثيق بمعركة "سيف القدس" وأن ما بعد هذه المعركة سيكون انتفاضة وإحياء لروح المقاومة في جميع الأراضي الفلسطينية.
ونبَّه إلى أن المفاجأة الكبرى خلال تلك المعركة جاءت من مدن الداخل الفلسطيني، مثل اللد والرملة وعكا والنقب والناصرة وأم الفحم، وبذلك "التحقت القوة الفلسطينية في الداخل المحتل والضفة مع غزة التي تتصدر مشروع المقاومة".
ونبه إلى أن عملية الثنائي اغبارية في "الخضيرة"، شكلت مفاجأة كبيرة للاحتلال خاصة أنهما نجحا في التنكر بلباس مستوطنين وهما يتقنان اللغة العبرية، وهذا يشكل من أكبر المخاطر التي قد تواجهها (إسرائيل) مستقبلاً، "كيف لا وقد اعتاد الاحتلال وجيشه ومستوطنيه طيلة السنوات الماضية على سماع صفارات الإنذار فقط عندما تنطلق الصواريخ من غزة، هذه المرة انطلقت شرارة العمليات الفدائية من الكيان نفسه".
ولفت إلى أن نجاح الفدائيين في قتل مستوطنين سيتبعه نجاح آخر خلاله سيتمكن فدائي آخر من امتشاق سلاحه لينفذ عملية جديدة، وذلك تزامنًا مع مساعي الاحتلال لنشر السلاح في المدن المحتلة.
وقال أبو هاني: "لكن السحر ينقلب الآن على الساحر، والسلاح الذي سهل الاحتلال نشره بين المواطنين الفلسطينيين هو اليوم بيد شباب مخلصين ليس لديهم استعداد على توجيهه في وجه العائلات وإنما للاحتلال، وبالتالي نجاح منفذي العمليات في قتل مستوطنين يحظى بإجماع وطني إلا من فضَّل التنسيق الأمني والتعاون مع الاحتلال على مقاومة الاحتلال، وهذه الأصوات أصبحت لا قيمة لها".

