بدا لافتا منذ اللحظة الأولى لتنفيذ عمليات بئر السبع والخضيرة وتل أبيب التوجه الخفي للمخابرات الإسرائيلية بإحداث تحول لافت في تحميل المسؤولية عنها لتنظيم الدولة، في محاولة لا تخطئها العين لتوجيه الأنظار عن هوية هذه العمليات، ودوافعها، وأسبابها، ولا سيما أنها حدثت بالتزامن مع انعقاد قمة النقب، والاحتلال يعلم أكثر من سواه أن الدول المشاركة في هذه القمة اكتوت بنار التنظيم المذكور خلال سنوات سابقة، ما استدعى منها إصدار إدانات متسارعة للعملية.
لم يكن إصدار بيان منسوب للتنظيم فرصة لتأكيد مسؤوليته عن عملية الخضيرة تحديدًا، فكلنا يعلم أن التكنولوجيا المعاصرة، فضلا عن الأساليب الاستخبارية التي تنتهجها أجهزة أمن دول عديدة في المنطقة، وعلى رأسها الاحتلال، لن تتغلب في إصدار مثل هذا البيان، وتجارب السنوات الماضية في العديد من بلدان المنطقة تؤكد ذلك.
لسنا بصدد الحديث عن عدم واقعية المسؤولية المنسوبة لذلك التنظيم عن الهجمات الأخيرة، رغم توفر العديد من المعطيات والمعلومات التي تؤكد أنه يفتقر للبنية التحتية البشرية والعملياتية داخل فلسطين المحتلة عام 1948، التي تؤهله لأن يعد ويخطط ويحضر ويسلح وينتقي الأهداف المرشحة للهجمات، الأمر الذي يضع علامة، بل علامات استفهام خلف المسارعة الإسرائيلية لنفي الصفة الفلسطينية الوطنية عن هذه الموجة المتجددة من المقاومة الفلسطينية.
أكثر من ذلك، فإن الاستهجان المرافق لتحميل الاحتلال لتنظيم الدولة عن تلك العمليات، لم يقتصر على الفلسطينيين، بل إن عددًا من الخبراء الإسرائيليين حذروا من تضخيم علاقة منفذي الهجمات الثلاث بذلك التنظيم؛ على اعتبار أنه نادرا ما أبدى اهتماما أو نية لضرب الداخل الإسرائيلي، الأمر الذي يثير تساؤلا جديدا وغير مألوف عما إذا كانت "إسرائيل" تواجه تهديدا من التنظيم بالفعل، أم أن وراء الأكمة ما وراءها!
صحيح أن عددا من منفذي الهجمات الأخيرة كان لديهم قناعات ببعض أفكار التنظيم، وحاولوا السفر إلى دول مجاورة للانخراط في أنشطته، لكن ذلك أمر مرت عليه سنوات شهدت تراجع عمل التنظيم في بيئاته الأصلية في الدول المعنية، ولا سيما سوريا والعراق، ما يطرح تساؤلات مشروعة عن وجاهة استمرار قدرته على العمل، وأين؟ داخل دولة الاحتلال ذاتها، وهذه لعمري مسألة يعلوها كثير من الشكوك والريبة!
مع أن ثمة خطرا من استخدام الاحتلال لاسم التنظيم المذكور، والزج به في جملة الموجة المتصاعدة من عمليات المقاومة، من أجل تسويغ مزيد من القمع المنظم للفلسطينيين، والعمل على تحشيد دول المنطقة والمجتمع الدولي، بزعم أنها حرب مشروعة تخوضها إسرائيل نيابة عن العالم أجمع، من خلال نزع صفة الوطنية الفلسطينية عن هذه العمليات المشروعة وفق كل القوانين والشرائع.