ما زال الإسرائيليون منشغلين بتبعات عمليات (تل أبيب) والخضيرة وبئر السبع، ولا سيما أنها تضاف إلى تسع هجمات وقعت خلال الأسابيع الماضية، معظمها وقعت دون سابق إنذار، وبدافع إسلامي بارز، ما قد يدفع أجهزة أمن الاحتلال للتركيز على أنشطة مكافحة العمليات من خلال تكثيف استخباراتها على المراكز الدينية والصلاة والوعظ والدراسات الإسلامية داخل المدن الفلسطينية المحتلة في الخط الأخضر، بهدف تهدئة العاصفة قبل حلول الأعياد اليهودية في إبريل القادم.
في الوقت ذاته، فإن هجمات (تل أبيب) والخضيرة وبئر السبع تشير إلى أن الاحتلال يعيش في خضم موجة متصاعدة من العمليات، أسفرت في مارس وحده عن مقتل 11 إسرائيليًّا وجرح أكثر من عشرة آخرين، ويبدو أن لدى قوات أمن الاحتلال معلومات كافية لتقييم أن هذه الموجة لم تصل بعد لإمكاناتها المتفجرة، ما يجعل المهمة الأكثر إلحاحًا التي تواجه جهاز الأمن العام والشرطة والجيش الآن هي كبح التصعيد بسرعة.
تتحدث المحافل الأمنية الإسرائيلية أن هناك حاجة للعمل من خلال قناتين لمواجهة تصاعد الهجمات الفلسطينية: في القناة المباشرة لاستنفاد المعلومات الاستخباراتية، والخبرة المكتسبة في موجات العمليات السابقة لوضع المزيد من الصعوبات على المنفذين المحتملين تنفيذ مزيد من الهجمات "الملهمة"، التي تكون مستوحاة من هجوم ناجح، والقناة الثانية تتطلب من جهاز الأمن العام تحسين أساليبه في جمع المعلومات الاستخبارية، بعد إخفاقاته المتلاحقة، والاستعداد بشكل أفضل على الأرض من أجل تقليص الهجمات، عبر الحد من دوافعها، وتحديد المواقع المحتملة.
مع العلم أن التجربة الإسرائيلية في مواجهة الهجمات المسلحة تظهر أنه لا يمكن وقف موجتها باستشهاد واحد أو اثنين، بل العمل المكثف خلال بضعة أسابيع، وفي أسوأ الأحوال عدة شهور، حتى تتمكن المؤسسة العسكرية من تلاشي الدوافع المحرضة على العمليات، بحيث يشعر الجمهور الإسرائيلي بتبدد هذه التهديدات، بعد أن أصبح معتادا للتعايش مع هذه المخاوف الأمنية المتصاعدة.
وفيما يحاول الإسرائيليون سباق الزمن لمنع وقوع الهجوم القادم، تبرز أمامهم جملة من السمات الرئيسة لموجة العمليات الحالية، منها المكون الديني الإسلامي باعتباره الدافع المهيمن الذي يعمل تحت تأثيره العديد من منفذي الهجمات حتى الآن.
تجدر الإشارة أن أحداث حي الشيخ جراح في 2021، وحرب غزة وهبة فلسطينيي 48، كان منبعها بالأساس دينيًا، وهو ما لمسته استخبارات الاحتلال، لأنه ارتبط بالمسجد الأقصى وحلول شهر رمضان بالتزامن معها.
سمة أخرى من الهجمات الحالية تتمثل بأن غالبية منفذيها من فلسطينيي 48، سواء من يعيشون في المدن العربية أو شرقي القدس، وينتمون لبيئة سكانية مختلطة من العرب واليهود، ولعل الاحتكاك بينهم يساهم بإثارة المشاعر الدينية والوطنية.