لم يقتصر الإخفاق الإسرائيلي بعد عمليتي بئر السبع والخضيرة على أبعاده الأمنية، على أهميتها، وهو ما ناقشناه هنا يوم أمس، لكنْ هناك أبعاد لا تقل عنها تتعلق بالسياسية منها والحكومية والحزبية، في ضوء ما أعلنه آخر استطلاع للرأي بين الإسرائيليين ذكر 58% منهم أن أداء الحكومة في المجال الأمني سيئ.
من المتوقع أن تهز هذه النسبة مقعد رئيس الحكومة ووزرائه، على اعتبار أن الموضوع الأمني هو الفيصل لدى الإسرائيليين في الحكم على أي حكومة، وهو ما تجلى في انهيار حكومات سابقة سواء بيريس في 1996، أو نتنياهو 1998، وباراك 2001، وصولا إلى أولمرت في 2009.
لم يتوقف الأمر عند استطلاعات الرأي بين الإسرائيليين، فقد بدأ مسلسل تبادل الاتهامات بين أقطاب الحكومة ذاتها، وبين المعارضة والائتلاف، بشأن القصور في إدارة الشأن الأمني، وعدم توافر معلومات أمنية دقيقة عن العمليات الأخيرة، والعجز في معالجة تهديدها، وصولا للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق واستجواب للوزراء ذوي الصلة المباشرة بذلك، خاصة وزير الأمن الداخلي عومر بارليف الذي هوجم بشكل عنيف من أقطاب اليمين.
ما يزيد مخاوف المستوى السياسي الإسرائيلي من نتائج الهجمات الأخيرة أن الجهات الأمنية فشلت في منع وقوعها بصورة استباقية، ما أوجد شكوكاً في مدى قدرتها على مواجهات تهديدات أخطر وأكبر، كماً ونوعاً، سواء في حال اندلاع مواجهة عسكرية مع المقاومة في غزة، أو نشوب حرب لبنان الثالثة، وربما الدخول في معركة ثقيلة العيار مع إيران، رغم استبعادها بالشكل التقليدي.
الجديد في التبعات السياسية الإسرائيلية من العمليات الأخيرة أنها كشفت عن وجود خلافات كبيرة في حكومة بينيت، إلى حّد التوتر والهجوم من بعض الوزراء على بعضهم الآخر، وهذا السجال لم يقتصر على أقطاب المستوى السياسي فحسب، بل امتد لتبادل الاتهامات بين الجيش وحكومته، حول أسباب الفشل في كشف نوايا منفذي العمليات من البداية.
يطرح الإسرائيليون سؤالهم المحرج على المستوى السياسي الحاكم، وقبله على المستويين الأمني والعسكري: كيف فشلت الحكومة بإحباط وقوع هذه العمليات، رغم الإنذارات الساخنة التي تصل إلى أجهزة الأمن عن وجود نوايا لدى الفلسطينيين باستقبال شهر رمضان "على طريقتهم الخاصة"، للرد على عدوان الاحتلال المستمر، في كل الجبهات والمناطق؟
وصلت الانتقادات الإسرائيلية للحكومة إلى حد الحديث عما سمي مواضع خلل مقلقة في أسلوب إدارة العلاقة الأمنية تجاه الفلسطينيين، ما جعل مزاعم رئيس الحكومة ووزيري الحرب والأمن الداخلي عن الضبط الميداني وتعزيز القوات محرجة، وتشير إلى البلبلة أكثر من الثقة، وقد يعود ذلك فعلا إلى عدم وجود المستوى السياسي فعلا في صورة الموقف الأمني في الأراضي المحتلة، ولا سيما ذلك القادم من جهاز الأمن العام- الشاباك، أو الاستخبارات العسكرية -أمان.