تخرج هذه السطور إلى حيز النشر، في حين يشهد النقب المحتل ما اصطلح على تسميتها "قمة النقب"، التي جمعت وزراء خارجية الاحتلال وأمريكا، بجانب المغرب ومصر والبحرين والإمارات، وهي الدول التي طبّعت العلاقات مع الاحتلال، في لقاء سيكون شاهدا على التحول في العلاقات العربية الإسرائيلية الذي بدأ أواخر 2020.
بالتزامن مع هذه القمة، أحيا مئات الفلسطينيين في الداخل المحتل "يوم الأرض" في قرية سعوة بمنطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة، في مهرجان تحت عنوان "صامدون في النقب"، في ظل حالة من الغضب الفلسطيني على سياسة التمييز العنصري التي يتبعها الاحتلال ضد أهلنا في جنوب فلسطين المحتلة.
الحقيقة أن انعقاد مثل هذه القمة السياسية "الخطيرة"، تحمل في طياتها دلالاتها غاية في الأهمية، لعل أولاها ما يحمله النقب من رمزيات لدى المشروع الصهيوني منذ بدايات تفكير ديفيد بن غوريون بتركيز الوجود اليهودي في هذه المنطقة الحدودية، التي تشكل خاصرة دولة الاحتلال الجنوبية.
ثاني هذه الدلالات تتعلق بتراجع الاحتلال عن انعقاد القمة في القدس المحتلة، ربما لرفض الدول العربية المشاركة في التسليم بأن مدينتنا المقدسة باتت عاصمة للاحتلال، صحيح أن هذا موقف يحفظ لها ما تبقى من ماء وجه المشاركين في القمة، لكن ذلك لا يعفيهم من كارثية استضافتهم من قبل الاحتلال على بعد أمتار قليلة مما يمارسه من تمييز عنصري وشراسة لافتة في إقصاء كل ما هو فلسطيني.
دلالة ثالثة لهذه القمة ترتبط بتغييب الملف الفلسطيني عن هذه القمة، صحيح أننا أمام حدث مؤسف وكارثي، ويحمل معطيات تتجاوز الساحة الفلسطينية الى ما يشبه تحالف إقليمي مع الاحتلال، لكن هذا الحضور العربي الانفرادي بعيدا عن الجانب الفلسطيني، يمثل جائزة ثمينة للمشروع الاحتلالي الذي افترض سابقا إمكانية القفز عن القضية الفلسطينية، والشروع بتطوير العلاقات التطبيعية مع الدول العربية، ما يجعل من قمة النقب دليلا جديدا على "نجاعة" هذا التصور الإسرائيلي، مع كثير من الأسف طبعاً.
رابع الدلالات التي تحملها قمة النقب تتطلب الحذر مما قد تتمخض عنه، وتبحثه بالتوازي مع السياقات الإقليمية الحاضرة حالياً، سواء الملف الإيراني، وإمكانية توقيع الاتفاق النووي في أي فرصة ممكنة، أو توسع ساحة الحرب الروسية الأوكرانية ووصول تبعاتها إلى أزمة الغاز والطاقة في المنطقة، مرورا بتصاعد الهجمات الحوثية على السعودية، وانتهاء بتوسيع العلاقات الثنائية بين الاحتلال واستئناف مشروع التطبيع برمته في المنطقة.
هذه الدلالات وسواها تؤكد أننا أمام حدث تاريخي، بمعناه السلبي، وتبعاته الكارثية، دون أن يعني أن الطريق معبدة أمام تحقيق نتائجها الخطيرة، ما دام أن هناك تيارا موازيا يعمل على كبح جماحها، و"يفرمل" اندفاعها، وقد أدى دوره التاريخي المشهود له عقب قمة شرم الشيخ في 1996!