فلسطين أون لاين

الفلسطينيون يجتمعون على صعيد واحد، رغم أنف الاحتلال

خلال يومين كاملين اجتمعت ثلة من الباحثين والأكاديميين الفلسطينيين في ضيافة ورشة عمل شهدتها مدينة إسطنبول التركية بدعوة كريمة من مركز رؤية للتنمية السياسية، ومنتدى الشرق للأبحاث الإستراتيجية، ضمن مشروع بحثي كبير يبحث "تحولات المجتمع الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو".

لا شك أن هناك كثيرا من الفائدة العلمية والحيوية التي تحصل عليها المشاركون من النقاشات التي شهدتها الطاولة المستطيلة بين قرابة ثلاثين من الباحثين الفلسطينيين الذين وصلوا من مختلف بقاع الوجود الفلسطيني، داخل الوطن المحتل، بشتى أسمائه في قطاع غزة والضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 48، بجانب فلسطينيي الخارج الموزعين على جغرافيا اللجوء والشتات مترامية الأطراف، في أصقاع الأرض الأربعة.

لكن ما لا يقل عن تلك الأهمية العلمية البحثية الأكاديمية التي أسفرت عنها الورشة المذكورة، هي تلك القدرة التي وفرها المضيفون الكرماء لهذه النخبة الفلسطينية من الوصول معاً، والجلوس سويا على طاولة واحدة، ولعلها من المرات النادرة التي يلتقون فيها على صعيد واحد.

لقد شكل انعقاد مثل هذا اللقاء، وبهذه الكيفية، مناسبة أعادت لأذهان الفلسطينيين ما احتلته فكرة تغيير بيئة اللجوء الفلسطينية من شغل شاغل لدى الاحتلال وداعميه، ويعد تحديا إسرائيليا أساسيا وتاريخيا، لكن ما وقف في طريقها من معيقات، جعلها لا قبل للاحتلال بمواجهتها منفردة، مثل مواقف الدول المضيفة للاجئين، والضوابط والأسانيد القانونية الدولية، وإرادة المواجهة العربية الإقليمية، وصلابة الإرادة الفلسطينية عموما، وقدرة اللاجئين على إحباط المخططات تجاههم، ما عقد المضي في تحقيق هذا الهدف.

يعد هذا المفهوم أن ترسيخ وجود اللاجئين، بزراعتهم في بيئة مقبولة وصالحة لديهم، واستئناف حياتهم فيها، يعني في التحليل الأخير تطويق تطلعاتهم الوطنية، وإلغاءها، بفعل تقديم بديل يحظى بالرضا من صورة الوطن، التي تغذي لديهم طموح العودة، جنبا إلى جنب مع توطينهم في أماكن اللجوء.

وتنطلق هذه العملية العميقة التأثير من السؤال عن معنى تغيير المكان بالتوطين، إن لم يقترن ذلك بتحويل جذري متزامن ورديف في طبيعة حياة اللاجئين من جميع جوانبها، فرص عمل، إسكان، تعليم، صحة، حرية، حركة.. وأهم من ذلك كله تجنيس ومواطنة جديدة ما أمكن، أو كحد أدنى إقامة ممتدة بعيدا عن الوطن في بيئة تسمح بهذا كله، فكان الهدف النهائي لهذه العملية الكبرى، هو استئصال حق العودة والقفز عنه.

ولعله من المفهوم تماما، المصلحة الإسرائيلية من عملية كهذه، وأهمها إخفاء جسم الجريمة التي تمثلت باغتصاب فلسطين، لأن الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي خصوصا، والغربي الأمريكي عموما، ربط بين مفهومهم للأمن ولمصالحه في الشرق العربي، وتسوية قضية اللاجئين من مدخل التعاون الإقليمي، وإعادة الهندسة الإقليمية، اقتصاديا، وسياسيا إن أمكن.