فلسطين أون لاين

دلالات لافتة في تراجع معدلات التجنيد بجيش الاحتلال

جرت العادة أن يُصدر جيش الاحتلال بين حين وآخر معطيات إحصائية حول أعداد المجندين المقبلين على الانخراط في صفوفه، وطبيعة الوحدات القتالية التي يتوجهون إليها، مع تخوف متزايد من ضعف هذه المعدلات من جهة، وعزوف الجنود عن التوجه إلى الوحدات القتالية من جهة أخرى، وتفضيلهم للوحدات التقنية والاستخبارية، لأنها أقل عرضة لخطر الموت والمواجهة العسكرية.  

مع أن رفض الخدمة في الجيش أصبح قضية مركزية متزايدة داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث يحاول بعض الإسرائيليين تحاشي الخدمة بالادعاء بمشاكل وأمراض عقلية، التي تسمح لـ10% منهم بتجنب الخدمة، أما الجهات العسكرية فقد تبنت وصفا واضحا لها اسمه "التهرب من الخدمة الإلزامية".

في هذه العجالة يمكن الحديث عن أبرز أسباب انتشار ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، لعل أهمها تراجع هيبة الجيش، خلال المواجهات والعدوانات الأخيرة التي شنها على الفلسطينيين منذ انتفاضة الحجارة.

أدت كل هذه المواجهات العسكرية إلى اهتزاز صورة الجيش، وتراجع مكانته، وتزايد الانتقادات الموجهة ضده، وأصبحت الخدمة في صفوفه بالنسبة للكثير من الإسرائيليين عبئاً كبيراً، وإحساسهم المتزايد بأنه لا جدوى من الاستمرار في الحروب مع الفلسطينيين.

يرتبط العامل أعلاه بعامل ذي صلة مباشرة معه، وهو الخوف من مواجهة المقاومة، أو بعبارة أكثر وضوحا، الخوف من الموت، فالجنود الإسرائيليون، ومعظمهم علمانيون، متوجهون نحو اللذة، لا يؤمنون بأي مثاليات قومية، وهم في حالة خوف شديدة من المقاومين، الذين يدفعهم الإيمان بالله وبالوطن، أما هم فلا يؤمنون إلا بالرغبة في البقاء.

واكتشف الجندي الإسرائيلي أنه رغم معداته القتالية الفائقة، والتدريب المكثف الذي يتلقاه، فقد أصبح صيداً سهلاً، مما يتضح في نسبة من سقطوا صرعى العمليات الفدائية، وعدم وجود رد عسكري عليها، حتى أن حياتهم في الدبابات حين كانوا يحاصرون مدن الضفة الغربية خلال انتفاضة الأقصى، أو قطاع غزة خلال حروبه الأخيرة، باتت جحيما لا يُطاق.

كما أن الأوامر الصادرة للجنود تتضمن البقاء داخل هذه الدبابات طوال الفترة المحددة لهم دون الخروج منها، كما صدرت أوامر تحظر عليهم النظر من فوهاتها خوفاً من تعرضهم لرصاصات طائشة تأتيهم من المناطق المحاصرة، ولا يستطيعون الخروج منها لقضاء حاجتهم كالذهاب للحمام، خوفاً من تعرضهم لقناص فلسطيني ينتظر خروجهم منها، حتى انهارت نفسياتهم، واتسمت العلاقة بينهم بالمشاحنات والمشاجرات.

عامل ثالث ذي صلة بما سبق يسهم بدوره في تراجع الخدمة العسكرية الإسرائيلية، ويتمثل بعبثية الصدام مع الفلسطينيين، مما يزيد إحساس الجنود بعبثية موقفهم، وعدمية التضحية من أجل "الوطن"، وعدم اكتراث القيادة العسكرية بهم، فضلا عن الاحتجاج على انعدام المساواة في توزيع الأعباء بين الجنود، والشكوى من نقص الوسائل القتالية، وانعدام الحماية الملائمة، وعدم تلقي التدريبات الكافية والتجهيزات اللازمة لحمايتهم.