فلسطين أون لاين

آخر نقطة مأهولة جنوب الضفة المحتلة

"الطل" يرصد يوميات الصمود على "زنوتا" من داخل كهف

...
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

يمسك عادل الطل زجاجة حليب يُرضع بها صغار الماعز جالسًا على صخرة بالقرب من الكهف الذي تعيش فيه عائلته في خربة زنوتا جنوبي الخليل، ومن حوله تحوم الدجاجات يلتقطن الشعير الذي وضعته لهن والدته في الصباح الباكر.

بهاتفه الذكي يصور الطل تفاصيل الحياة اليومية البدائية البسيطة التي تعيشها عائلته في زنوتا في آخر نقطة مأهولة جنوبي الضفة الغربية، داخل الخيام، والكهوف تحت الأرض، ومغامراته في رعي الغنم وسط تغول المستوطنين على أهالي الخربة ورصد التعديات عليهم، ويطل بها على متابعيه على منصة "التيك توك".

يشارك الطل (31 عاما) متابعيه طريقة إعداد والدته طعاما على موقد الحطب ولا سيما المنسف بلحم الخراف التي يربيها، والجميد الذي صنعته من الحليب الذي أخرجته من الماعز، وصنعت منه اللبن المخيض (الرايب)، والجبن، والزبدة، وخبز الطابون.

كما أنه ينشط في التواصل مع الصحفيين والمتضامنين وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق التجمع وسكانه.

تعيش عائلة الطل داخل كهف تحت الأرض، يقول لـ"فلسطين" إنه يعود إلى العصر الروماني، بينما يعيشه هو وإخوته، كل واحد في خيمة من الصفيح، رغم أن لديهم بيوتا من الحجر في منطقة الظاهرية، إلا أنهم يصرون على حياة الشقاء حتى لا يصادرها الاحتلال.

وتقع زنوتا في المنطقة المصنفة "ج" المقدرة بنحو 61% من الضفة الغربية، وفق اتفاقية أوسلو الثانية بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل)، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة.

لا يتجاوز سكان التجمع الفلسطيني 450 نسمة، يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي، ولدى كل عائلة ما يكفيها من الدجاج والحمام، وطابون (فرن تقليدي) لإعداد الخبز من قمح تخزنه بموسم الحصاد صيفا، مع حضور مواقد النار.

مع ذلك، لا يخلو التجمع من بعض مظاهر الحداثة، إذ يعتمد السكان على خلايا شمسية لتوليد الكهرباء.

ويشير إلى أن المستوطنات سيطرت على نحو 75% من أراضي التجمع، وتراجعت مساحات المراعي التي يعتمد عليها السكان في تغذية مواشيهم المقدرة بنحو 5 آلاف رأس.

وبحسب الطل فالاحتلال عرض على أهالي الخربة شيكا مفتوحا من المال، مقابل إخلاء المنطقة، ولكنهم رفضوا ترك أرضهم والتخلي عنها.

ويلتقط الطل الصور ويسجل مقاطع فيديو وينشرها على صفحته على تطبيق "تيك توك" التي يتابعها أكثر من 50 ألف شخص، الذين يعتقد بعضهم أن راعي الغنم هو إنسان متخلف جاهل منعدم الثقافة، كما يخبر عادل، "لكن على العكس من ذلك فقد خرجت حياة البداوة أطباء، ومحامين، ومعلمين، لديهم نخوة وكرامة تجعلهم يتمسكون بأرضهم حتى آخر نفس".

الراحة ليست خيارًا

ولدى سؤاله هل تفكرون بالبحث عن حياة أكثر راحة؟ يجيب: "لو خرجنا من زنوتا سيسيطر عليها المستوطنين فورا، فهي محاطة بالكثير من المستوطنات والمصانع، وسنخسر أراضينا ولن نعود إليها".

ويوضح الطل أن أهالي زنوتا يقومون بزراعة القمح والشعير في الشتاء، ورعي الأغنام صيفا، يعتمدون على صناعة طعامهم بأيديهم، فالبيض والحليب ومنتجاته واللحوم جميعها من إنتاج محلي خالص، فضلا عما تنتجه الأرض من خضار بعْلية أشهرها "الخُبيزة" شتاء، إضافة إلى الأطباق القديمة والتراثية مثل رقاقة (شرائح عجينة تشبه المعكرونة) بالحليب أو اللبن.

وفي الشتاء يعاني أهالي الخربة الأمرين، حيث يقضون ليلهم في تفقد أعمدة الخيام حتى لا تقع بفعل الأمطار والرياح، ويعتمدون على ضوء سراج الكاز.

ويشير الطل إلى أنه في الخربة مدرسة أساسية اسمها "التحدي"، وهي مبنى متواضع مسقوف بالصفيح، للمرحلة الأساسية، وتعرضت للهدم 3 مرات، ثم ينتقل الطلبة الراغبون في إكمال دراستهم إلى بلدة الظاهرية التي تبعد 20 كيلومترا عن زنوتا.

ويلفت الطل أن الاحتلال الإسرائيلي، يمنع بناء البيوت، والآبار، أو تعبيد الطرق، كما يمنع إمدادات الكهرباء، والماء عن الخربة حيث يعتمدون على تخزين مياه الأمطار في آبار تحت الأرض شتاءً.

وتمنع سلطات الاحتلال أي تغيير على الواقع الموجود في هذه المنطقة إلا بتصريح منها، ومن شبه المستحيل الحصول عليه؛ لذلك فإن أغلب مباني الخربة التي فوق الأرض هدمت وأعيد بناؤها كما هي الحال بالنسبة للمجلس المحلي التابع للخربة، أو صدر بحقها إخطار بالهدم.