إن ازدواج معايير الغرب في القيم التي يرفعها عند حديثه عما يحدث في أوكرانيا، وتجاهله حقوق الدول الأخرى التي تقع فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة من اعتقال أسرى، وتهويد الأرض الفلسطينية، ومصادرة الممتلكات، وعمليات قتل منظمة تقوم بها دولة الاحتلال، وهو ما فضحته تقارير حقوقية، كان آخرها تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي"، التي رأت ما يقوم به الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يصنف (إسرائيل) دولة فصل عنصري، لكن هنا يصمت الغرب وكأن شيئًا لم يكن؛ هذه هي الازدواجية، فرغم صدور مئات القرارات الدولية لمصلحة القضية الفلسطينية منذ احتلال فلسطين عام 1948 حتى الآن لم يتحرك العالم لمقاطعة (إسرائيل) اقتصاديًّا أو دعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح والمعدات، بل وقفت السياسة الدولية عاجزة عن مواجهة الاحتلال، وبعض الدول الاستعمارية كبريطانيا عدت حركات المقاومة إرهابًا، والمقاومة هي المقاومة للمحتل التي ينادون بها الآن ويصرخون بشرعيتها عندما تتوافق مع أهوائهم ومصالحهم الاستعمارية التوسعية، إنه النفاق الغربي .
في الواقع إن الحقيقة هنا أن القوى الاستعمارية تعمل لمصلحة مشاريعها التوسعية، وليس من أجل أي حقوق إنسان أو ديمقراطية، كل هذه المصطلحات ما هي إلا قشور صناعية أوجدتها تحاول تغطية الوجه الحقيقي لعنصرية الغرب، وعلى رأسه بريطانيا وفرنسا والدول الداعمة للصهيونية العالمية والنازية الجديدة، لقد انكشف النفاق الغربي وسياسة الكيل بمكيالين واضحين، بعد التعامل مع ملف أوكرانيا وما يدور فيها، ومقارنته بالتعامل مع الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين منذ احتلالها، بشكل مخالف للقانون الدولي، ما يعد ازدواجية معايير ومخالفة لمبادئ حقوق الإنسان، فنجد العالم انقلب خلال أيام ليفرض عقوبات وحظر طيران على روسيا، ويدعم أوكرانيا بشحنات أسلحة، في المقابل قضية فلسطين سبعون عامًا مرت وهم يتجاهلون معاناة شعبها الحقيقية، رغم مئات القرارات التي لا تعدو كونها مجرد حبر على ورق، ولعل أصدق ما يصف ذلك حديث النائب الإيرلندي ريتشارد بويت الذي فضح ازدواجية معايير الغرب: "خلال 5 أيام من الحرب فرضت عقوبات شديدة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقابل 70 عامًا بلا عقوبات على (إسرائيل)".
إن ما يقوم به الغرب اليوم خروج صارخ عن العدالة والأخلاق، حيث سياسة الكيل بمكيالين في تعامل الدول الغربية مع القضايا الدولية، وقضية فلسطين على رأسها، إذ نلاحظ تجاهل النفاق الغربي والإمبريالية الاستعمارية لها؛ فإن ذلك تعامل لا أخلاقي بامتياز، أين هذا العالم الغربي من آلاف الشهداء والجرحى من أبناء فلسطين بفعل الاحتلال الصهيوني؟! وأين هذا العالم من غزو العراق وسقوط مئات آلاف الشهداء والجرحى؟! وأين المجتمع الدولي الذي يدعي حقوق الإنسان من العدوان الغربي على سوريا؟! وأين القوانين الدولية من الجرائم في أفغانستان وفيتنام؟! لكنها الديمقراطية العوراء.
كل ذلك وأكثر؛ فقد وافق الكونغرس الأمريكي أخيرًا على دعم ميزانية كيان الاحتلال بـ٣مليارات دولار، واقفًا لجانب الجلاد على حساب الضحية، وكل هذا المال من أجل دعم الجيش الصهيوني وترسانته العسكرية، وهو الذي يرتكب الجرائم من قتل للأطفال والنساء والشيوخ وهدم للبيوت ومصادرة للأراضي، هل هذه العدالة الغربية وحقوق الإنسان؟! لا إنها سياسة الكيل بمكيالين، والعنصرية التي عبر عنها الغرب في أكثر من مقام، خاصة خلال استقبالهم اللاجئين الأوكرانيين، إذ صرح رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف: "إن اللاجئين الأوكرانيين ليسوا اللاجئين الذين عهدناهم، لذلك سنرحب بهم؛ هؤلاء أوربيون أذكياء"، في الوقت الذي لاقى فيه اللاجئون الآخرين من سوريا وفلسطين ودول العالم تمييزًا عنصريًّا عكسته المواقف المعادية للآخر والعنصرية غير الأخلاقية التي تضج بها دول الغرب .
تساؤلات حقيقية ومشروعة عن موقف الغرب المنحاز لمصلحة مشاريعه الاستعمارية على حساب حقوق الإنسان ومبدأ العدالة، ما يدفع الشعوب إلى إدراك حقيقة هذه الأنظمة الاستعمارية العنصرية التي تتعامل بمعايير مزدوجة، وبات مطلوبًا منا تحقيق العدالة بأنفسنا بالالتفاف حول خيار المقاومة؛ فالعالم لا يحترم الضعفاء، وذلك ما شاهدناه في أفغانستان التي استمرت سنوات في مقاومتها حتى انتزعت انتصارها وفرضته واقعًا في وجه النفاق الغربي ومعاييره المزدوجة.
وتوقيت إعلان تأسيس الهيئة الوطنية لدعم وإسناد فلسطينيي الداخل يأتي ضمن الخطوات الجادة والمؤثرة لتعزيز إستراتيجية المقاومة، التي باتت واضحة المعالم في التحام فئات ومكونات الشعب كافة في داخل فلسطين والنقب وغزة والضفة خلال معركة سيف القدس، التي أثبتت أن المقاومة السبيل الحقيقي للتحرير والخروج من سياسة الكيل بمكيالين التي يتبناها النفاق الغربي، وأن دول الغرب الاستعمارية لن تعمل من أجل اتخاذ أي إجراءات حاسمة لمنع استمرار جرائم الاحتلال من بناء المستوطنات وقتل الأطفال وارتكاب المزيد من الأفعال النازية العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، وتحديه الصارخ للقانون الدولي الذي يبدو أنه يتحرك بأهواء النفاق الغربي الذي يعد كيان الاحتلال صنيعته.