في ظل ما تتعرض له مدينة القدس والمسجد الأقصى من هجمة إسرائيلية، تستهدف البشر والحجر والشجر، وتحاول تغيير الجغرافيا كما حاولت عبثاً تغيير التاريخ، يسعى الاحتلال جاهدا لاستغلال الثورة الإعلامية والفضائيات ومنصات التواصل لترسيخ وجوده في المدينة المقدسة، وإثبات الحق الديني والتاريخي المزعوم، وفرض الأمر الواقع عليها.
ورغم أنه لا توجد في (إسرائيل) وسائل إعلامية رسمية تتحدث باسمها، لكن أداء إعلامها في قضايا مهمة كالقدس، يدلل بما لا يدع مجالاً للشك أنها تتجند لتسويغ السياسة الحكومية، وتسويق الرواية الرسمية.
ومع أن الإعلام الإسرائيلي يدعي استقلاليته، لكن طريقة تغطيته ومعالجته لقضية القدس تثير تساؤلات عديدة، فهي تعتمد على مرتكزات إعلامية محددة لتحقيق غاياته، للإسهام في توعية الجمهور الإسرائيلي - المستهدف الأول – بالتاريخ، وبالقواسم المشتركة، ومحاولة صهرهم في بوتقة واحدة.
انتهج الإعلام الإسرائيلي منذ بداية الصراع على القدس، مبادئ أساسية في تغطيته لأحداثها، أهمها اللمسة الإنسانية بما يضفي الطابع الشخصي على ارتباط اليهود بالمدينة المقدسة، والاعتراف بوجود ثقافي يهودي فيها.
وتعتبر المؤسسة السياسية الرسمية الإسرائيلية أدوات الإعلام المختلفة: المقروءة، المسموعة، المرئية، الإلكترونية، جزءًا من حربها ضد المقدسيين، بحيث تشن هجوما عدائيا مبرمجا يستهدف التأثير في عقلياتهم ونفسياتهم، ليصيبهم الوهن والإحباط والتفكك والاضطراب، وهي عملية تتميز بأنها مفاجئة سريعة هادئة تعتمد على الاستدراج البطيء والغفلة والسذاجة.
هناك ملاحظات عامة على الإعلام الإسرائيلي الذي يغطي أحداث القدس، منها: خضوعه مباشرة للمخابرات، فهو إعلام ذو مدلولات أمنية، مرتبط وموجه، ويحتل العامل الأمني مركز الأهمية القصوى في تعامل الحكومة معه، ويسعى لترسيخ آراء مشوشة في نفوس الجمهور العربي الفلسطيني المكشوف، إلى حد كبير للإعلام الإسرائيلي، ولم تكن هناك وسائل أخرى قادرة على التصدي، ومقاومة هذا التأثير، لاسيما باتجاه تثبيت المزاعم اليهودية في المدينة المقدسة.
مع أن حكومة الاحتلال، بمختلف وزاراتها، تبذل جهودا إعلامية حثيثة تحقيقا لأهدافها السياسية، عبر الإدارات المتخصصة لاسيما وزارة الخارجية التي تعتبر بكاملها جهازا إعلاميا متكامل النشاطات، بل هي ركيزة الإعلام الخارجي، الموجه لدول وشعوب العالم، الساعية للحصول على تأييد دولي عالمي فيما يتعلق بتثبيت الهوية اليهودية للقدس، لاسيما عند الحديث عن الاستيطان وتوسيع الأحياء اليهودية.
أما مكاتب الإعلام الحكومية فهي تعنى بالدرجة الأولى، بنشر المعلومات عن البلدية ونشاطاتها، وكل ما يتصل بترسيخ الهوية اليهودية للمدينة، وتعميق ارتباطها وولائها للدولة، فضلا عن استقطاب الدوائر الإعلامية الإسرائيلية لكوادر إعلامية متنفذة حول العالم، خاصة أميركا وأوروبا، لإعداد تقارير صحفية عن القدس، ويهوديتها، وأحقيتهم بها، والتعاقد مع شركات كبرى تعمل في مجال الدعاية، وكسب الرأي العام للغرض ذاته.