تشهد العلاقات الثنائية بين تركيا و(إسرائيل) فصلاً جديداً وتطوراً بعدما كان هناك نوع من عدم الاستقرار السياسي في السنوات الأخيرة في العلاقات بين البلدين ولعل زيارة رئيس الاحتلال إسحاق هرتسوغ لأنقرة الأربعاء 9/ مارس الجاري يمهد لتعاون أوسع في المستقبل، وهو ما أكده رئيس الاحتلال في المؤتمر الصحفي مع نظيره التركي أردوغان بأن العلاقات مع تركيا تشهد تطوراً حقيقياً وتستمد قوتها من الماضي.
(أ) (الفلسفة البراجماتية بين البلدين)
إن العلاقات الاقتصادية بين (إسرائيل) وتركيا لم تتأثر بالأحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط أو حتى بما كان يدور بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطيني إلا أن العلاقات السياسية تدهورت قليلاً، ففي 2008، وصل التبادل التجاري بين أنقرة و(إسرائيل)إلى 3,4 مليارات دولار وهذا بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لتصل اليوم إلى 7 مليارات دولار وكذلك زاد التبادل العسكري بين البلدين بواقع 6,6 مليارات دولار.
استنادا إلى مبدأ متغيرات السياسة الدولية وكذلك تبدل النظم السياسية فإن تركيا تتطلع لتحسين علاقاتها مع جوارها الإقليمي سياسياً واقتصادياً وبالتالي تأتي زيارة رئيس الاحتلال لتركيا لالتقاء المصالح بين البلدين ومن ثم تنتظر تركيا بحكم الجيوبولتيك مردوداً اقتصادياً من وراء ذلك، ففي ظل ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وخاصة في دول الاتحاد الأوروبي نتيجة للعمليات العسكرية الروسية على أوكرانيا فإن ملف الطاقة حاضر بقوة في تلك الزيارة، وهو ما صرح به الرئيس التركي أردوغان في أثناء المؤتمر الصحفي مع رئيس الكيان، حيث قال: "تركيا مستعده للتعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة"، وكذلك تصريح هرتسوغ في سياقه بأن (إسرائيل) مستعده للتعاون مع أنقرة في مجال الطاقة.
ينبغي في هذا الصدد التوضيح بأن تركيا تستورد طاقتها من روسيا وإيران وما تريده هو توسيع دورها في مجال الطاقة كدولة عبور عبر مد أنبوب غاز من (إسرائيل) ثم إلى الأراضي التركية ثم إلى قبرص لإمداد أوروبا بالغاز الإسرائيلي، ولكن هذه الخطوة لن تكون بوتيرة سريعة لأنها ستحتاج إلى تنسيق كامل ومباحثات مع الجانب الأوروبي تخص ذلك.
ومن ثم إذا تم تنفيذ هذه الخطوة في المستقبل أو على الأقل خلال عام 2022/2023 فإن ذلك سيعود بالرفاهية على الاقتصاد التركي وسيضمن ارتفاع في قيمة العملة التركية التي تدهورت في الفترة الأخيرة. كذلك سيضمن لأردوغان الثبات نوعا ما في عدد الأصوات الانتخابية في الانتخابات الرئاسية القادمة والتي ستجرى بعد عام ونصف العام من الآن حيث يعد الاقتصاد والظروف المعيشية للمجتمع من أكثر المتغيرات التي تؤثر في السلوك الانتخابي للناخبين.
إن شراكة من هذا النوع بين تركيا و(إسرائيل) ستفتح الباب أمام عضوية تركيا في منتدى غاز شرق المتوسط الذي تم تأسيسه في القاهرة عام 2019.
(ب) مخرج لعلاقات أفضل مع الولايات المتحدة.
إن ضمان تحسين أنقرة لعلاقاتها مع (إسرائيل) وزيادة وتيرة الشراكة الاقتصادية والسياسية سيفتح الباب أمام أنقرة لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تدهورت مؤخراً عقب شراء تركيا أسلحة من روسيا "صفقةS-400" وبالتالي فإن ورقة تحسين العلاقات مع إسرائيل ورقة رابحة بالنسبة لأنقرة.
(ج) مبدأ المصلحة السياسية.
بعد قيام هرتسوغ بزيارة أنقرة لا بد أن نقول إن أنقرة قامت بتغليب المصلحة السياسية على المصلحة الإيديولوجية العقائدية في سبيل تحقيق توازن يسمح لها بتأمين بقائها سواء اقتصاديا في الداخل أو حتى سياسيا في المنظومة الدولية وانطلاقا من هذا النهج في السياسة الخارجية التركية وأيضاً من مصطلح "صفر مشاكل" الذي أسسه وزير الخارجية التركي السابق داود أوغلو ونراه يطبق الآن مع (إسرائيل) فمن المتوقع أن نرى انفراجا في العلاقات بين أنقرة والقاهرة في الفترة المقبلة وهذا ليس سياسيا فقط إنما اقتصاديا أيضا بسبب حديث أنقرة عن الغاز فهذا سيجبرها على فتح العلاقات مرة أخرى مع القاهرة للتنسيق معها وكذلك من الممكن أن نرى عدولاً عن موقف تركيا تجاه سوريا.
(د) مشروع وساطة تركي-إسرائيلي في الأزمة الأوكرانية.
ظهر نشاط دبلوماسي وسياسي إسرائيلي في الفترة الأخيرة قبل زيارة رئيس دولة الاحتلال الاسرائيلي لأنقرة لمحاولة نزع فتيل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، حيث قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت بزيارة موسكو وبرلين وأجرى اتصالا هاتفياً بالرئيسين الروسي بوتين والأوكراني زيلينسكي وفي ظل هذا المناخ والسعي الإسرائيلي للوساطة كانت زيارة هرتسوغ لأنقرة بالتزامن مع الاجتماع الدبلوماسي الثلاثي في انطاليا الذي جمع وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأوكراني ديميتري كوليبا والذي ناقش فيه عملية التفاوض فيما يخص الأزمة، وهنا يتضح أن هناك آمالاً معلقة على (إسرائيل) لتكون وسيطا مع الصين في إيجاد حل دبلوماسي لهذه الأزمة ولكن بعيداً عن الدور التركي الذي سيكون ضعيفاً نوعاً ما بعد تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقب الاجتماع الثلاثي في أنطاليا حيث قال: "يجب أن يكون للاجتماع قيمة مضافة ويتم استبدال الوفدين اللذين يتم العمل بهما على الأراضي البيلاروسية" أي أن الاجتماعات يجب أن تكون مباشرة في بيلاروسيا وتناقش مطالب موسكو وليس في تركيا وتناقش الممرات الإنسانية ومطالب أوكرانيا.