تظهر تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا حالة من المتابعة الحثيثة لتفاصيل يوميات الحرب، بما في ذلك ذكر أسماء الضحايا، وتفصيل أوضاع الإصابات، والتطرق إلى حيثيات دمار البنى التحتية، وكل ما يتعلق بنتائج الحرب الروسية المدمرة على أوكرانيا.
لا يتسع المقام في هذه السطور للدخول في نقاش سياسي حول الموقف الإسرائيلي من الحرب، لكنها تركز الحديث عن التغطية الإعلامية التي أداه الإعلام الإسرائيلي: المرئي والمسموع والمكتوب والالكتروني، لمجريات الحرب، وتقديم مقارنة مع ما يقوم به تجاه العدوان المستمر على الفلسطينيين.
يتجاهل الإعلام الإسرائيلي الارتقاء اليومي للشهداء الفلسطينيين، ولو كان معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وتكتفي وسائله المنحازة للمؤسسة العسكرية والأمنية، بنشر عدد القتلى، والادعاء أنهم سقطوا في مواجهات مع الجيش عندما أطلقوا النار، أو ألقوا حجارة، أي أنهم المعتدون، والجنود المدججون بالأسلحة يدافعون عن أنفسهم، ولا تذكر أسماء الشهداء، ولا أعمارهم، وأماكن سكناهم وظروف استشهادهم، كما تقوم به مع حرب أوكرانيا.
هذا السلوك الإعلامي غير المهني ليس عفويا البتة، بل هو مرتبط بميزان التغطية لصالح الإسرائيليين، وفي هذه الحالة فإن تغطية الأحداث اليومية مع الفلسطينيين، لا تظهر متوازنة، وبالتالي فإننا نرى أن تغطية ما يسميه الإعلام الإسرائيلي بـ"عنف" الفلسطينيين أعلى من إجرام المستوطنين والجيش على عدة مستويات، حيث يتم تزويد تفاصيل مسهبة ذات علاقة بالقتلى الإسرائيليين، فيما لا تظهر تلك التفاصيل فيما يتعلق بالضحايا الفلسطينيين.
وللتدليل أكثر على ذلك، تكفي الإشارة إلى حالة الاستعداء التي يواجهها بعض الصحفيين الإسرائيليين، على قلتهم، ممن يكسرون هذه القاعدة، وينشرون قوائم بأسماء الشهداء الفلسطينيين الذين قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي وقطعان المستوطنين، مما يثير ردود فعل غاضبة من جانب عشرات القراء الإسرائيليين، الذين يدعون أن هذا "الاستعراض" الصحفي غير قومي بما فيه الكفاية من جانب المحرر.
كما يتبع الإعلام الإسرائيلي أسلوب المبني للمجهول في مقتل الفلسطينيين، وفي المرات المعدودة التي قدمت الأخبار بصيغة المبني للمعلوم، كانت عند حدوث عمليات اغتيال، وهدفت من ذلك لتبيان وتعزيز القناعة بأن الجهود الأمنية الإسرائيلية تتعامل بـ"فاعلية" مع التهديد الذي يمثله الفلسطينيون.
كما تلجأ وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولا سيما المرئية منها، للتلاعب بالصورة التلفزيونية من خلال تقريب العدسة على الجمهور الإسرائيلي في أثناء تشييع أحد قتلاهم، ما يعطي تأثيرا كبيرا للمشاهد، ويخلق حالة تضامنية معه، فيما تغيب صورة الضحايا الفلسطينيين تماما، وأحيانا يقوم التلفزيون الإسرائيلي ببث صور لجنازات الشهداء الفلسطينيين عن بعد، ومن خلال لقطات قصيرة، لا توحي بمظاهر الحزن والألم التي تعتصر قلوب المشاركين في الجنازة، فضلا عن تجاهل بث الصور المؤثرة عن عملية انتشال الضحايا الفلسطينيين من تحت الأنقاض.