فلسطين أون لاين

​بسبب أزمة الكهرباء.. فقد "قنديل" وابنته "أكسجين الحياة"

...
غزة - مريم الشوبكي

أن تكون معاقًا في ظل ساعات قليلة من الكهرباء في قطاع غزة المحاصر، يعني أن معاناتك مركبة، ومعيشتك تزداد صعوبة، حيث لا يمكنك التنقل بحرية، لأن كرسيك المتحرك يحتاج إلى كهرباء لشحنه، وبالتالي أنت مُجبرٌ على الجلوس في البيت، مع كل ما في ذلك من ملل وتعب نفسي، حيث لا نشاط ولا تلفاز ولا إنترنت لكي ترفه عن نفسك وتشغل وقتك.

أكسجين الحياة

صخر قنديل (49 عاما)، معاق حركيًا، ويشغل منصب المستشار الفني والإداري للاتحاد العام للمعاقين الفلسطينيين في غزة، تجربته يمكن أن تكون مماثلة لما يمر به كثير من المعاقين المتواجدين في القطاع، فانقطاع الكهرباء ضاعف من أعبائه المالية من أجل توفير احتياجاته هو وابنته المريضة.

بنبرة تحمل كثيرًا من الألم والمعاناة، تحدث قنديل عن حياته التي انقلبت رأسا على عقب بسبب أزمة الكهرباء، قال: "انقطاع الكهرباء مصيبة على المجتمع الغزي، وعلى المعاق تحديدًا، هي كارثة، حيث إن حاجة المعاق لها مضاعفة، سواء في البيت أو خارجه، فهو يحتاج إلى شحن كرسيه المتحرك ليخرج من بيته، وربما يلزمه المصعد الكهربائي ليعود للبيت".

وأضاف قنديل لـ"فلسطين": "وهناك أنواع من الإعاقات تحتاج إلى كهرباء على مدار الساعة، كحال مرضى الشلل الرباعي، وضمور العضلات، والشلل الدماغي".

ووصف الكهرباء بأنها "أكسجين الحياة" بالنسبة للمعاق، مبينا: "ومع انقطاعها تكاد تتوقف حياته، والإعاقة درجات، ومنها الإعاقات الشديدة التي لا يستطيع أصحابها الخروج من البيت، فيلجؤون لوسائل التسلية كالتلفاز والإنترنت وغير ذلك مما هو من الكماليات بالنسبة للأصحاء، بينما هو من الأساسيات لهم كونه يوفّر جوًّا يخفف عنهم آلامهم الجسدية".

وبالنسبة لقنديل، فإن الكرسي الكهربائي أمر أساسي في حياته، حيث يتنقل به من عمله إلى البيت، وباعتباره رب أسرة فإنه يستخدمه لتلبية احتياجات بيته، ويساعده على الاختلاط بالناس، ولكن مع انقطاع الكهرباء بات يستغني عنه ويستخدم الكرسي المتحرك العادي.

تلف البطارية

ولفت إلى أن الكرسي المتحرك الكهربائي بحسب قوة بطاريته يحتاج إلى شحن لمدة تتراوح من أربع إلى ثماني ساعات يوميا، وهذا غير ممكن في الوضع الحالي.

ونبه قنديل إلى أن الانقطاع المتكرر والمفاجئ للكهرباء يؤدي إلى سرعة تلف بطارية الكرسي المتحرك، كما أن البعض يلجأ إلى شحنها عبر المولد الكهربي، وهذا أيضا يلحق بها الضرر، لافتا إلى أن أقل سعر لهذه البطارية يصل 1300 شيكل، وهو أمر مرهق ماليا للمعاق.

ثمة معاناة لا يلتفت لها البعض، ولكنها بالنسبة للمعاق ضرورة لا يمكن تأجيلها، تحدث قنديل عنها: "الخروج من البيت وقتما أشاء فعل شاق بالنسبة لي، حيث إنني أقطن في برج سكن، صحيح أنني في الطابق الأول، ولكن بالنسبة لي الأول مثل السابع، لأنني لا أستطيع الصعود باستخدام الدرج".

وأكمل حديثه: "وتشغيل المولد الكهربي لاستعمال المصعد لا يتناسب مع ظروفي، فظروف سكان البناية، بالطبع، تختلف عني تماما، فما هو مهم بالنسبة لي، قد لا يعني شيئا لغيري".

ومضى قائلا: "انقطاع الكهرباء سبب مشكلة انقطاع المياه، فالمياه ضرورية، وفقدانها صعب للغاية على المعاق حركيا، لما يسببه ذلك له من مشاكل جسدية ونفسية وأخرى اجتماعية، ولأن الانقطاع يضاعف حجم الرعاية له يوميا، مما يثقل الأهل من جميع الاتجاهات، وينعكس على المعاق نفسيا".

وعرّج قنديل على معاناة معاق الشلل الرباعي، والذي يحتاج إلى تحريكه مرة كل 20 دقيقة، لتهوية جسده، حتى لا يُصاب بتقرحات تسبب التهابات ومضاعفات قد تؤدي إلى الموت، وفي ظل انقطاع الكهرباء وعدم وجود مراوح وتوقف "الفرشة الهوائية" عن العمل، يصبح وضعه أكثر سوءًا.

وانقطاع الكهرباء وعدم توفير بدائل لها، يصعّبان حياة المعاق ويرهقانه ماليا، حيث ينفق قنديل 400 شيكل للكهرباء عبر مولد كهربائي من شركة خاصة، بخلاف اشتراكه في المولد الكهربائي للبرج الذي يسكنه بتكلفة 300 شيكل شهريا، لكي يوفر له الكهرباء ثلاث ساعات يوما بعد يوم، وكل ذلك بخلاف فاتورة الكهرباء التي يدفعها لشركة الكهرباء كل شهر.

ابنتي مريضة

والمعاناة لا تقف عند قنديل فقط، بل تمتد لابنته "إسلام" (24 عاما) المصابة بمرض "الدوشين" والذي يسبب ضمورًا في عضلات الجسم، وبسبب عدم قدرتها على التنفس تحتاج إلى وسائل تهوية على مدار الساعة، لذا يضطر إلى دفع اشتراك شهري لمولد كهربائي لشركة خاصة لكي يحافظ على حياة ابنته.

وقال قنديل: "لو أردت الترفيه عنها واصطحابها في نزهة لتستنشق هواءً نقيًا، فلا يمكنني التوجه معها إلى شاطئ البحر كما في السابق، لأنه تحول إلى مستنقع لمياه الصرف الصحي، مما قد يسبب لها الإغماء في حال استنشقت الهواء في تلك المنطقة".

وأضاف: "ذات يوم، انقطعت الكهرباء بالكامل لعطل في المولد البديل، وخشية على حياة ابنتي وللتخفيف عنها، قمت مع زوجتي بتحريك الهواء من حولها باستخدام (الصواني البلاستيكية) لحين وصل الكهرباء".

وتابع قنديل: "لا يلوح في الأفق حل لأزمة الكهرباء، فهي عبء اقتصادي ونفسي ومالي، حيث لا إمكانية لدعم المعاقين ماديا ليتمكنوا من توفير الكهرباء بوسائل بديلة لتسهيل حياتهم، أو حتى منحهم خصومات من شركة توزيع الكهرباء على فواتيرهم، أو تخفيض أسعار الطاقة البديلة لهم".