مسكينة الساحة الدولية لا يقر لها قرار ولا ينام لها جفن، فكلما خبت نار أُوقدت نيران أخرى، وبعضنا يكتوي بالنار وبعضنا يستدفئ فيها، ومن الدول التي تستدفئ بالنار هي أمريكا.
ومما يجب معرفته أن أمريكا عبر تاريخها دمرت دولًا كثيرة، ولكنها لم تبنِ أي دولة ولم تساهم في ذلك، بل دعمت أنظمة حكم بما يخدم مصالحها وخاصة في مجال الأمن، ومن المؤكد أن الشعارات التي ترفعها أمريكا حول حقوق الإنسان تمارسها فقط داخل حدودها الجغرافية، أما خارج الحدود فتشهر السيوف في أغلب الظروف، إلا إذا اقتضت المصلحة، فالمصلحة هي المحرك الأساسي لأي فعل أو رد فعل أمريكي، أما المشاعر والعواطف والمبادئ فهي مثل حبوب المخدرات تخدر أمريكا بها العالم.
وقعت الحرب الروسية الأوكرانية، ومما أوهمت أمريكا العالم به أنها لن تسمح لروسيا بغزو أوكرانيا، ومن استمع للتصريحات الأمريكية ظن أن أمريكا سترسل كل جنودها وعتادها لحماية أوكرانيا، حتى بدأت الحرب وأعلنت أمريكا أنها ليست بصدد إرسال جنودها لأوكرانيا، وكل ما فعلته أنها أوعزت لآخرين، وقامت هي بخطوات غير مكلفة لها ماديًا أو بشريًا مثل فرض عقوبات على مؤسسات وشخصيات روسية.
أوجه استفادة أمريكا من الحرب الروسية الأوكرانية، "impossible" تطلع أمريكا من المولد بلا حمص، سواء كان الحمص حب أو مطحون"، هذه قناعة يؤمن بها كثيرون في مشارق الأرص ومغاربها، وأنا أحدهم، ولا افتراء في هذه القناعة على أمريكا أو تجنّي، فهكذا تقول تجارب التاريخ الأمريكي، فما من مشكلة صنعتها أمريكا، أو ساهمت في صناعتها، أو صنعتها دولة أُخرى، إلا وحازت أمريكا على نصيب الأسد من الفوائد، بغض النظر عما إذا كانت الفائدة عاجلة أو آجلة.
1- من يتأمل نظرة العالم لأمريكا إبان حكم "ترامب" يجدها نظرة سلبية خاصة في العالم الغربي، فـ"ترامب" كان يتعامل بعنجهية مع الجميع، لكن "بايدن" استطاع إعادة هيبة أمريكا وجمع العالم حوله من خلال الهدوء في التصريحات وتوزيع الابتسامات، وهذا ما تحدث به وزير خارجية أمريكا أنهم استطاعوا خلال سبعة شهور ترميم صورة أمريكا، وبقي الفعل القذر لأمريكا كما هو حسب ما تقتضيه مصلحتها.
2- زادت من عزلة روسيا الدولية، فالكل يدرك أن مناصرة روسيا يعني وقوعه في الفخ الأمريكي حيث المقاطعة بجميع أنواعها، وطبعا دول العالم بما فيها العربية لا يستطيع مساندة روسيا لأن أمريكا ستفتح كروشهم وستزيحهم عن عروشهم وتضعهم في نعوشهم خلال نصف ساعة.
3- منع تصدير الغاز الروسي بفعل الحصار سيجعل الشركات والدول تولي وجهها شطر لأمريكا طلبًا لغازها وهنا يضع الاقتصاد الأمريكي (رجل على رجل) ويغني (يلا هات دولارات)، فينشط الاقتصاد الأمريكي.
4- أمريكا تدرك أن حرب روسيا على أوكرانيا يعني استنزاف قدرات روسيا وهذا ينعكس على المستوى المعيشي للروس فيخرجوا بمظاهرات واحتجاجات ضدهم وهنا تحرك أمريكا خيوطها حسب خطتها.
5- تسعى أمريكا بكل قوة لإسقاط هيبة روسيا في الحرب حتى تقول للعالم، "نحن وفقط من يفرض ما يشاء".
6- أمريكا ترسل رسائل بأن من يرغب بالبقاء في الحكم فعليه أن يأخذ صك البقاء من البيت الأبيض.
ما سبق هي القليل من أوجه استفادة أمريكا مما يحدث بين روسيا وأكرانيا، وربما جاز ذكر المثل الشعبي عن أمريكا وغيرها "إنها مثل الذئب يطلع منها كل شيء".