شاهدت تقرير الجزيرة ببرنامج ما خفي كان أعظم عن تفاصيل اغتيال نزار بنات، وانا اعرف كغيري ان ما نشاهده متوقع ونعرف تفاصيله الكثيرة. فكرت وانا انتظر البرنامج منذ تم الإعلان عنه انني اريد مشاهدة الحلقة، لعل بعض العدالة تحققت. لعل الاستمرار بالقرع على الخزان يصل مداه إلى السماء ويحقق الله عدالته على هؤلاء البشر. تابعت البرنامج والدموع تتحول في عيني إلى حجارة احسست بها تنزل بوهن وتعب وانكسار. فشوف العين بيهدّ الحيل. إذا ما كانت جريمة كهذه، بهذه العلنية، وبهذه الحقائق الواضحة الكاشفة، وبهذا القدر من تسليط الضوء عليها يتم محاولة دفنها واخفائها. فمثلهم مثل قابيل في قوله تعالى " فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين. فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا اعجزت ان أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة اخي فأصبح من النادمين. من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون.
وكأن في آيات القرآن آيات لنا تبرد على قلوبنا عجزها.
تكبلت كلماتي امام مشاعري التي بدأ تجمدها منذ مقتل نزار بالذوبان. وكأن في تقرير الامس تذكرة بأن السوءة لا يمكن تغطيتها، حتى لو تم دفنها. والطيور الكاسرة التي يستخدمها أصحاب هذه السلطة لدفن سوءتهم لا ترقى حتى لأن تكون غربانا. فهؤلاء ينخرون في الأموات كالديدان والبكتيريا، تبدو سيماهم في وجوههم، كأنهم من عالم سفلي أكثر سفالة في قعره. عالم جَيفيّات يعبث بالأموات من اجل ارتزاقه. وينهش بوهن الاحياء، يعتش على الجيَف من الجسد.
مؤلمة كانت المشاهد. ومؤلمة أكثر شهادات الزور التي قدمها من سولت له نفسه الدفاع والحديث أمام الكاميرا بهذه الفجاجة والوقاحة. كيف يحاولون تغطية الشمس بغربال؟
يستطيعون لأنهم يظنون انهم يملكون السلطة وعليه يستطيعون التسلط وتسليط سياطهم على الشعب. وان لم تأت السياط بنتيجة فالقتل طريقهم الاسهل. لقد قتلوا نزار كما قتلوا نيفين ونجوا. ربما تستسلم الأرواح بعد حين؟ ام ان لعنة الظلم لا تتوقف عن مطاردتنا؟
هل تتجمع الأرواح التي قتلت ظلما بروح نزار وتطارد حتى تأخذ حقها من قتلتها؟
نزار حاضر اليوم في موته أكثر مما كان حاضرا في حياته، ولكن هل من صوت يشبه صوته يتصدى ويدافع؟
كل الأصوات تبدو خافتة، خائفة، مرتعبة.
اصواتنا كأصواتهم. أصوات الظالم والساكت عن الظلم. مهما علت وصدحت الا انها خائفة مرتعبة.
اين ذهبت اصواتنا؟ كيف تركنا العدالة ورضينا بهويّ ميزانها هكذا؟ كيف نستطيع النوم وأطفال نزار يكبرون وعيونهم تترقب العدالة بانتصار يتمناه البريء المظلوم المؤمن ان الحق اقوى؟
الحق يقوى بمن يحمونه.
الحق يقوى بشعوب لا تقبل الظلم ولا ترضى بنزع حقوقها البديهية.
الحق يقوى بمن لا يرضى الظلم على نفسه وعلى غيره.
فأين الحق منا؟
اكتفينا بالمشاهدة.
خضعنا لجبروتهم واستعلائهم وظلمهم
ارتعبنا من هراواتهم وسحلهم وتنكيلهم
وقتلوا الحق فينا بقتلهم نزار.
وكأنهم بقتل نزار أخمدوا صوت الحق إلى الابد.
ولكن، هل نخرج عن صمتنا ونذهب إلى الشوارع لنقتل جميعا على أيديهم؟
هل يمكن ان يتغير الحال بالمزيد من الضحايا منا لتكون أضحيات العدالة الغائبة النائمة المختبئة وراء مصالح الأقوياء وأصحاب السلطة في كل مكان من هذا العالم؟
كيف لا يخاف الشعب وجريمة بهذه البشاعة وادلة بهذا الوضوح لا يتحرك العالم المدعي للحريات والحق من اجلها؟
الوقاحة التي رأيناها بالأمس في شهادات ممثلي هذه السلطة الخائنة لعهد الانسان الفلسطيني بالمحافظة عليه، يحميها قناعتهم بأن فاشيتهم محمية بغطاء الدول التي تمولهم.
كيف حوّلت هذه السلطة أبناء الشعب إلى قتلة يقتلون بعضهم بهذه الوحشية؟
ربما يحتاج الحق قبل علوه المزيد من الظلم والتضحيات.
ربما لا يكفي ضمائرنا المستترة نزار واحدا ليكون نذير صحوة من غفلة.
فما خفي أعظم ونعرف. ولكننا نسكت.
ننتظر ان يأتي فرج الله فيخلصنا منهم. "إنّ الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقًا."
ننتظر لأنه لا حول لنا ولا قوة امام جبروتهم وظلمهم وتسلطهم.
فلقد قتلوا نزار ويتباهون. فكيف لنا الا نخاف ونخرس. أو نتكلم ونحاول الاختباء أو الهروب أو اللجوء؟
لقد نزعوا منا حب الحياة وحب الأوطان.
سرقوا امننا واماننا
لوّثوا قلوبنا وصدورنا، فأخمدوا اصواتنا
قتلوا نزار بقتل صوته. برش عبوات الفلفل بتتابع في فمه. هشّموا رأسه وكسّروا رجليه.
فضحتهم الكاميرات وشهادات واضحة وضوح الشمس، ومع هذا يستمرون بالكذب والتباهي بفعلتهم.
الجناة طلقاء.
من اعطى الأوامر من المسؤولين تم ترقيتهم.
ولا رقيب ولا حساب الا على المواطن الذي يجرؤ ان يشير بإصبعه نحو ظلمهم.
قتلوا نزار ويستمرون في محاولة قتل صوت نزار.
صوت نزار الذي لن يسكت طالما الظلم هو الواقع.
صوت نزار الصادح في قلوبنا المرتعبة من ظلم لا نقوى على مواجهته.
صوت نزار الذي سيستمر بكشف ما خفي من ظلم لظلمات حياة نعيشها في ظلم وظلام.
حتى يأتي امر الله لنا وعليهم، فحسبنا الله.
"ولا تحسبن الله غافلًا عمَّا يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار".