يستطيع رئيس السلطة محمود عباس على ما يبدو أن يفعل ما يشاء بالمكاسب المخطط لها دوما. يعيّن من يشاء، يغيّر ما يريده من قوانين وكيفما يريد ومتى أراد، يعطي أوامر أو يغض الطرف عن أوامر، يفصل وينحّي ويرقّي، يقاطع ويطبّع، يقدّس التنسيق الأمني ويعلّقه أو يوقفه وينهيه على حسب حاجة الخطاب العلني للكلمة.
نسخر في أغلب الأحيان لما نسمع. ونقول بالعلن والسر إننا لا نصدق، ولكن بالمحصلة، فرئيس السلطة يفعل ما يشاء. يقول ما يشاء. يعلن ما يريد إعلانه. أتساءل دوما، لمن يوجّه رئيس السلطة خطابه؟ كيف يستطيع أن يفصل الخطاب الموجّه لنا (الشعب) عن الخطاب الموجه لهم (الاحتلال والمجتمع الدولي)؟ هل هناك اتفاق ما بينه وبينهم أن يغضوا الطرف عن تصريحاته الصاخبة في وقت الشدة كما حدث في الجريمة النكراء التي اغتالت فيها قوات الاحتلال الشبان الثلاثة في وضح النهار وبتنسيق واضح وجلي لا يحتاج إلى أي تحليل؟
عندما صدع صوت رئيس السلطة في مكالمة هاتفية خلال عزاء الشبان بمكبرات الصوت بكلمة مقروءة قائلًا إنه سيرد الصاع صاعين، ما الذي قصده؟ هل كان يعلم أن المنسق الإسرائيلي سينشر على صفحته بعد ساعات صورة لسيارة ابنه الفارهة بوسط (تل ابيب) ليؤكد أن كلام رئيس السلطة ليس إلا ذرًّا للرماد في الهواء؟
المهم من كل هذا، بينما نتناول الأمر بتحليل نية رئيس السلطة وغبن ما يضمر به من جرائم قتل واغتيالات تقوم بها قوات الاحتلال سواء مباشرة أو عن طريق تسهيل المهمة لقوات التنسيق الفلسطيني كما حصل بجريمة اغتيال نزار بنات، فإن رئيس السلطة وزمرته ينجون في كل مرة بأفعالهم التي تزداد سطوة وخطورة واضطهادًا لما ينذر بنظام شمولي عسكري عنصري يحيط الشعب من فوقه ومن تحته.
لم يعد للإنسان الفلسطيني أي إمكانية للنجاة. حصار محكم على الشعب من كل اتجاه. لا مفر أمامنا إلا انتظار الموت أو الاغتيال.
في الوقت الذي كان الشارع يعد العدة للتظاهر بسبب غلاء الأسعار الذي يضع الإنسان العادي في حالة عدم حقيقية. اشتعل فتيل الاقتتال الداخلي بين عوائل الجنوب (الخليل) فجأة، وتمت عملية اغتيال الشبان في الشمال (نابلس) فجأة. وفي رام الله تتغير وتتشكل قيادة تتحكم في الشعب في سطوة محكمة تسيطر على ما كان يسمى منظمة التحرير ليصبح منظمة تطويع الشعب.
الانتخابات صارت حلما ليس في تلك التي كنا نصبو إليها سواء بالتشريعي أو الرئاسي، ولكن في البلديات والنقابات والجامعات. لا تحصل انتخابات إلا بضمانات مؤكدة أن زمرة رئيس السلطة ستكسحها. صارت أهم أحلامنا أن تجري انتخابات بلديات ليتمكن كل صاحب حلم بمنصب ان يتمكن من مقعد ببلدية.
اضمحلت امالنا لتنحصر في الصغائر والتفاهات، في محاولة لنتجنب ما يمكننا ان نتجنبه من مصائب متلاحقة.
في كل مرة نفكر ان هذه المهزلة لا يمكن ان تستمر، نجد أنفسنا داخل مصيبة، كارثة، تدفعنا إلى الوراء لا نستطيع التقدم ابدا نحو المكان الذي كنا فيه.
ما الذي يريدونه منا؟ الاستعباد والاضطهاد والانصياع لهم بينما ينهبون ويسرقون ويقتلون ويبيعون ويتنازلون عما تبقى من وطن؟ لم نعد نفكر بالوطن، فنحن بالكاد نستطيع ان نرفع رؤوسنا نحو يوم نتابع فيه الأحوال الجوية. كنا ننتظر ان تتغير القيادة علنا غيرنا الدماء بمن يجعلنا نضخ بهذا الوطن بعض الحياة لنبني ما يمكننا بناءه من جديد. وصرنا نلملم دماءنا المسفوكة وجراحنا المفتوحة واوجاعنا والام الفقدان. ننتظر ان ينهوا على كل ما تبقى منا ومن الوطن ارضا وموارد لنعود لظلم الاحتلال فقط. فكم تبدو الحياة تحت الاحتلال اقل اضطهادا وأكبر احتمالات للعيش فيها من الآن. على الأقل نستطيع ان نصرخ عندما يضطهدنا الاحتلال ويقتلنا ويذلنا. نستطيع ان نشتكي. نستطيع ان نبكي. نستطيع ان نتظلم. نستطيع ان نصرخ في وجه العالم الذي يسمح بظلمنا وانتهاك انسانيتنا.
اما وسط هذه السلطة المتسلطة على حياتنا، فنبكي حرقة مآسينا. نخرس ونصمت عن خرابهم نحاول ان نضمد جروحنا بأيدينا.
يضربونا ويقتلونا وينهبوننا ويلهوننا بين اقتتال داخلي ومباغتات احتلال يستمتع بالقتل والتنسيق للقتل والاعتقالات.
يردون الصاع مع كل محاولة لرفع الرأس للنظر حولنا علنا استطعنا ان ننهض وننتفض من هواننا اصواع.
كيف لهذا القيد ان ينكسر وهو مكبل بأقفال سلمنا مفاتيحها لمن يرد الصاع بالصاع علينا.