فضلا عن المخاطر الأساسية التي تقف أمامها دولة الاحتلال، ولا سيما التهديدات الأمنية المحيطة بها من عدة جبهات، وحجم ما تبذله من جهود لكيفية التعايش معها، ومجابهتها، فإن هناك تحديات وتهديدات ومخاطر أخرى إضافية، لا تقل عما سبق إيرادها، مثل الحفاظ على المستوى الاقتصادي، وإصلاح البنى التحتية، وجسر الفجوات القائمة في التعليم، ومعالجة الأزمات الاجتماعية الطارئة، وسد الفجوات بين الأغنياء والفقراء، وغيرها.
مع العلم أنه خلال السبعين سنة الماضية من عمر الدولة، أقيم ما يزيد على 35 حكومة، وتم تنصيب قرابة 20 برلمانا منتخبا، وجاء المتوسط لهذه البرلمانات "الكنيست" والحكومات بمعدل حكومة واحدة خلال أقل من عامين.
ورغم أن هذا الوضع المتقلب يشكل "جنة عدن" للمحللين السياسيين ووسائل الإعلام، لكنها تسبب مشكلات كبيرة للمجتمع والمؤسسات الحكومية، أقلها ما يوصف بـ"جنون الدولة"، وليس هناك من تقدير أكثر دقة لذلك.
أكثر من ذلك فإن حسابا بسيطا للسنوات القليلة الماضية تغير على الأقل أكثر من عشرة وزراء حرب، وثمانية وزراء قضاء، وعشرة وزراء مالية، وتسعة وزراء خارجية.
السؤال المشروع الذي يطرحه الإسرائيليون في هذه الحالة: إذا كان الوضع بهذا التقلب، فماذا يمكن لدولة الاحتلال أن تعمل، أو تحدد من سياسات وتخطيط إستراتيجي في أكثر من مجال، ولا سيما في مجال الأمن، فضلا عن الاقتصاد، والسياسة الخارجية؟
هنا يمكن أن نجد إجابات كثيرة لأسئلة تطرح حول: فشل إسرائيل في السياسة الإعلامية الخارجية لها، في ضوء أن هناك وزير خارجية إسرائيليا خلال أقل من 13 شهرا، وعدم القدرة على بناء سياسة اقتصادية جادة، في ظل تغير وزير المالية بسرعة أكثر من أعمدة الصحف، وبالتالي فإنه ليس هناك من وسط اقتصادي، مهما كان صغيرا، فضلا عن الدولة، أن يشهد مثل عدم الاستقرار هذا، بحيث يتناوب على هذا المكتب الحكومي بهذه السرعة الجنونية.
إن النقص الحاصل في مفاهيم الحكم والسياسة، وعدم استيعاب الحكومة ورئيسها لما هو مطلوب منه، يراه الإسرائيليون "أم الخطايا"، والنتيجة السيئة لهذه الإدارة الحكومية الإسرائيلية تقف أمام أعينهم، والتهديدات ما زالت ماثلة في وجوههم، ما يجعلهم لا يستمرون على هذا النحو طويلا.
صحيح أن عددا قليلا من أعضاء الكنيست في برلمانات سابقة، قدموا مشاريع قوانين لـ"فصل السلطات والنظام الرئاسي"، بهدف قيادة إسرائيل وفق طريقة مماثلة لما هو عليه الوضع في الولايات المتحدة، وفرنسا، لكنهم لم يصلوا في النهاية لتقدم حقيقي في هذه القوانين لأسباب حزبية وائتلافية حكومية بالأساس، والخلاصة الماثلة أمام نواظر الإسرائيليين اليوم أنهم أمام حكومات تعيش أجواء مرتبكة، وتزدحم بمظاهر من البلبلة، وسط خلافات داخلية بين الوزراء والأحزاب المختلفة!