أشارت إحدى الدراسات الإسرائيلية الصادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب إلى أن الأزمة (الروسية الأوكرانية) ربما يكون لها تأثيرات وانعكاسات هائلة على الاحتلال الإسرائيلي والشرق الأوسط، مطالبة باتخاذ سياسة واضحة تجاه دعم الموقف الأمريكي من هذا الصراع المتصاعد في أوروبا الشرقية، لاعتبارات مختلفة أبرزها العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتزام الأخيرة أمن الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى الدعم المتواصل في مختلف النواحي، مع مراعاة المصالح المكتسبة مع روسيا بحيث يتصرف الكيان بشكل متوازن وعقلاني، وألّا يفقد هذه العلاقة خشية حدوث تطورات عسكرية تؤدي لاحتكاك في سوريا.
الدراسة ذاتها حرصت أيضا على توجيه قيادة الاحتلال إلى المحافظة على علاقات "دافئة ومتينة" مع الدول العربية التي طبعت مع الاحتلال والتي يوجد معها مساحات عمل وتعاون مستمر بحيث تواصل ترسيخ وتقوية هذه العلاقات، وذلك في إطار الاستعداد لأي متغيرات قد تحدث في المنطقة نتيجة النزاع الحاصل الذي لن تقف آثاره عند الحدود الجغرافية للصراع، فممارسة (سياسة الحياد) وضبط التصريحات ربما لن تدوم طويلا من قبل الكيان الإسرائيلي، وهذا متوقف على التطورات، فالأزمة الحاصلة ومع مرور الوقت سيكون لها آثار متصاعدة ومختلفة عن الظروف الحالية، بحيث تؤثر مباشرة على المستوى العالمي، والإقليمي، فالولايات المتحدة ستحاول حشد مزيد من المواقف ضد الموقف الروسي بغية تقويض العملية العسكرية ومنع تحقيق أهداف سياسية ومعاقبة روسيا وعزلها.
وهذا بدوره سيجعل العدو الإسرائيلي في موقف صعب، لأن الولايات المتحدة الأمريكية قد تطلب من الاحتلال الإسرائيلي اتخاذ مواقف علنية وصريحة ضد روسيا والمساهمة في إنجاح العقوبات المفروضة، وبالتالي: فإن العدو سيجد نفسه على مفترق طرق في إدارة السياسة الخارجية والتعامل مع هذه الأزمة، فمن ناحية لن تقبل الولايات المتحدة ولن تتفهم سياسة الحياد من الاحتلال، ومن ناحية أخرى فإن القيادة الروسية لن تغض الطرف عن أي تطور في السياق وسيكون لها مواقفها في المنطقة بمعنى أن أي موقف عدائي ومناهض من الاحتلال لموقف روسيا سيكون غير مقبول من روسيا وسيكون له انعكاسات في الشرق الأوسط وتحديدا في الساحة السورية، وسيؤثر على مستوى وحجم وطبيعة التنسيق بينهما.
وقد ظهرت أبرز المخاوف من خلال هذه الدراسة في انعكاس ما يجري على استقرار بعض دول المنطقة والتي ربما تشهد مظاهر عودة الاحتجاجات الشعبية والعودة لحالة عدم الاستقرار، وقد يشمل ذلك عديد من الدول منها: "سوريا، لبنان، ليبيا، العراق، مصر، الأردن، وهذا بدوره سيزيد من حجم التحديات ويرفع مستوى المخاوف والتهديدات الأمنية في وجه العدو الإسرائيلي، في ظل التغير الذي يمكن أن يطرأ على سلوك الإدارة الأمريكية التي ربما تضع أولوياتها في تعزيز دعمها وحضورها في أوروبا على حساب حلفائها في منطقة الشرق الأوسط.
لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الجبهة الشمالية ما زالت تحتل مركز الصدارة في حجم المخاوف والتحديات الأمنية لاعتبارات مهمة منها وجود التهديد الإيراني وحزب الله والمجموعات المسلحة التي تتمركز وتوجد في سوريا ولبنان، التي ربما تستفيد من أي تطور يحصل في هذه الجبهة، فمن الوارد أن تعبث روسيا بهذه الجبهة وتغير المعادلة بالتدريج ومنها تقييد حركة الطائرات للاحتلال ووضع كوابح إضافية أمام جيش العدو تمنعه من مواصلة الهجمات في سوريا حال أوقفت روسيا التنسيق في العمليات ودعمت النظام السوري بأنظمة دفاع جوي متطورة وغضت الطرف عن التوسع الإيراني ونشاط الحزب، الأمر الذي سيجعل العدو أمام جبهة ملتهبة يصعب التعامل معها كما السابق.
لذلك: فإن تداعيات هذا النزاع لن تقف عند "حدوده الجغرافية" ومع مرور الوقت ستتسع بقعة وحجم التأثير بعكس ما يريده الاحتلال وما كان في الجبهة الشمالية في الماضي سيكون مختلفًا الآن، وعلى الاحتلال أن ينتظر الأسوأ لأمنه بعد هذا السقوط الأمريكي المدوي في مواجهة روسيا، ويكفي أن يلتقطوا مشهد الخذلان الذي تعيشه الآن أوكرانيا بسبب تخلي أمريكا وأوروبا عن هذا البلد وإعلانهم عدم التدخل عسكريا لإنقاذ الأوكرانيين وبقاؤهم في مساحة ضيقة من المواقف السياسية المنددة والعقوبات الاقتصادية، والتي لم يظهر أي أثر لها في إرغام روسيا على وقف الغزو لأوكرانيا، وبالتالي فإن مراهنات العدو الإسرائيلي على حلفائه الدوليين ستسقط وسيجد نفسه قريبا أكثر عزلة في مواجهة مخاطر وتحديات غير مسبوقة ومتدحرجة ليس فقط في الشمال وإنما في مختلف الجبهات.