صدر تقرير منظمة العفو الدولية "إمنستي" قبل عدة أيام ليشكل صدمة لسلطات الاحتلال دفعت شريك الإرهابي بينت في الحكم لبيد ليظهر على الإعلام متهماً منظمة إمنستي بالانحياز وعدم المهنية، وفي إثره صدر تصريح عن وزيرة العدل الصهيونية إيليت شاكين يشير إلى أن سلطات الاحتلال تدرس منع منظمة إمنستي من دخول الأراضي المحتلة، حالة الحمى تلك التي اعترت الكيان الصهيوني تشير بوضوح الى أن التقرير لقى اهتماماً شديداً من قادة الاحتلال باعتباره يصنف هذا الكيان بأنه كيان فصل عنصري وهو توصيف له أثار قانونية وسياسية خطيرة إذا ما تم اعتماده في المؤسسات الدولية، منظمة العفو الدولية أشارت الى أنها أصدرت تقريرها بعد دراسات علمية ومهنية استمرت لمدة عشرين عاماً وجدت من خلالها أن ممارسات هذا الكيان هي ممارسات عنصرية.
نحن كفلسطينيين لم يشكل لنا التقرير إلا تأكيداً لما نعايشه يومياً منذ وجود هذا الاحتلال من سياسات هي غاية في العنصرية ضد كل ما هو فلسطيني، فقد امتدت ممارسات الاحتلال العنصرية لتتجاوز الانسان إلى الشجر الذي يقتلع ويحرق فقط لأنه شجر فلسطيني يشهد على صلة الأرض بأصحابها الأصليين، وكذلك يمتد إلى الحجر بما يشمل تغيير المعالم وهدم المباني وتغيير أسماء الشوارع والمدن والقرى.
أهمية التقرير لا تكمن فقط في أن جريمة الفصل العنصري تشكل جريمة ضد الإنسانية وإنما لأنها جريمة تمس الجانب القيمي والأخلاقي للأم المتحضرة، وتشكل هزة عنيفة للوجدان العالمي وهي جريمة لا يمكن تبريرها بالمبررات التي يستخدمها الكيان وحلفاؤه عادة لتبرير جرائمه مثل حق الدفاع عن النفس أو حماية مواطنيه، فبأي تبرير يمكن للعدو الصهيوني أن يبرر جريمة الفصل العنصري؟؟
ولذلك كانت الحمى التي اشتعلت في الكيان لرفض التقرير وشيطنة منظمة إمنستي المشهود لها بالكفاءة والنزاهة المهنية.
الغريب في الأمر أن الجهة الرسمية التي يفترض فيها أن ترعى حقوق الشعب الفلسطيني وتسهر عليها تعاملت مع الموضوع وكأنه يخص شعبًا يعيش على كوكب آخر، فلم نسمع ولو همساً من قيادة السلطة بالإعلان عن أي تحرك باتجاه استثمار التقرير، كونه لدليل إثبات على جريمة ينعقد فيها الاختصاص لمحكمة الجنايات الدولية بإحالته لتلك المحكمة التي أصبحت فلسطين طرفًا في نظامها الأساسي منذ عام 2014م، بل لم نشهد ما كان متوقعاً من نشاط دبلوماسي مكثف لوضع التقرير على أجندة العمل الدولي وذلك للضغط على الكيان وتفعيل الوسائل القانونية لوضع التقرير موضوع التأثير العملي، بل انني أخشى أن يكون هناك تواطأً من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية لتغييب هذا التقرير كما غيب من قبله تقرير جولدستون وقرار محكمة العدل الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري، وتقرير لجنة القس دزموند توتو الجنوب أفريقي، ولا أستبعد ذلك قياسياً على تجربتنا المرير مع السلطة الفلسطينية في التعامل مع هكذا قضايا والتي كان أخرها وقف أبو مازن لعمل اللجان التي توثق جرائم الاحتلال، وقبل ذلك الطلب من محكمة العدل الدولية في لاهاي وقف النظر في القضية المرفوعة أمامها بخصوص نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس، على اعتبار أنها تخالف اتفاقية "فينا" للعلاقات الدبلوماسية التي لا تجز إقامة السفارات على أراضي محتلة، ورغم أن هذه القضية كانت قضية رابحة بامتياز إلا أن السلطة طلبت من المحكمة وقف النظر فيها لأجل غير مسمى، وهذا ما علمناه بالصدفة حينما عرضت المحكمة تقريرها السنوي للعام 2020م.
كل هذه التصرفات تشير بوضوح إلى أن السلطة ستتعامل مع تقرير إمنستي -على أهميته القصوى- بنفس الطريقة التي تعاملت بها دائماً، وهي الإهمال والتسويق حتى يمر الزمن وتتجاوز التقرير الأحدث.
ولذلك أعتقد أن المسؤولية تقع الآن على المؤسسات الحقوقية القادرة على استثمار هذا التقرير من خلال تقديم شكاوى لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لبدء التحقيقات في هذه الجريمة تمهيداً لمحاكمة قادة الاحتلال.
وكذلك تفعيل المواد الواردة في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المعتمدة في العام 1965م والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها التي دخلت حيز النفاذ في العام 1976م لا سيما المواد التي تدعو الدول الموقعة لمحاكمة الأشخاص الذين يمارسون جريمة الفصل العنصري حتى لو لم يكونوا من رعاياها وهو ما يعرف بالاختصاص القضائي العالمي.
وكذلك لا بد من العمل على إعادة العمل بالقرار الدولي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975م باعتبار الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والسعي كذلك لدى مجلس حقوق الانسان الدولي لاستصدار قرار باعتبار الكيان الصهيوني كياناً عنصرياً، هذا التحرك يعتبر ضرورة وطنية باتجاه الضغط على الاحتلال مستلهمين تجربة نضال شعب جنوب أفريقيا الذي خاض معركة ضد نظام الفصل العنصري لمدة ستة وأربعين عاماً انتهت بانهيار هذا النظام عام 1994م وانتصار إرادة الشعب الجنوب أفريقي.