لم نكن كثيرا بحاجة لإعلان إسرائيلي حول عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي لم تقم بعد على الأرض، على اعتبار أن رفض إقامتها، وفق مفاهيم الحد الأدنى الفلسطينية، ليست مقبولة، حتى على من تبقى من معسكر اليسار والوسط لدى الاحتلال، فكيف والحديث يدور عن حكومة يمينية، ممعنة في عنصريتها ضد الفلسطينيين.
لكن ما أدلى به وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس شكل صفعة لكل من لا زال يعقد آمالا عليه، ويرى فيه نموذجا متجددا لإسحاق رابين، الذي وقع اتفاق أوسلو، وكأن أقصى طموحاتنا باتت أن نستنسخ نماذج مشوهة من جنرال قاتل مثل رابين، كي نحظى بتوقيعه على إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة.
الرفض الصريح والواضح الذي أعلنه غانتس دون مواربة، أو عبارات حمالة أوجه، جاء جليا وسافرا، بل فجاً، بالقول أنه لن تقوم هناك دولة فلسطينية في نهاية المطاف، بل كيان يخص الفلسطينيين، ولنا أن نسرح في خيالنا السياسي ونفكر في طبيعة هذا الكيان، الأقل من دولة والأكثر من بلدية، لكن الأهم فيها أن تحافظ على اتفاقاتها مع الاحتلال، وهذا ما يهمه أساساً.
يؤكد الإسرائيليون في كل محفل أن أي دولة فلسطينية قد تنشأ، حتى بالمواصفات التي يضعونها هم، لن يكون استقرارها ثابتاً، على اعتبار أنه قد تنشأ تطورات تدفع الفلسطينيين لسحب اعترافهم بالاتفاقات معهم، فضلا عن تطورات ميدانية، لا يتسع المجال لذكرها الآن.
صحيح أن الإسرائيليين يبالغون في تخوفاتهم، ويضعون السيناريو الأسوأ قبل الجيد، في ظل وجودهم في بيئة معادية لهم، لكنهم يخشون أن تتطور الأمور سلباً على صعيد هذه الدولة الفلسطينية، مما قد يسفر عن شيوع حالة من عدم الاستقرار فيها، وقيام مظاهرات واحتجاجات شعبية، تصل حد تنفيذ أعمال مقاومة ضد الاحتلال، مع وصول تقديرات أمنية واستخبارية خطيرة مفادها أن قوى معادية للاحتلال قد تفرض سيطرتها على هذه الدولة، وتصبح على تماس مع مدن فلسطين المحتلة.
مع العلم أن الدوائر السياسية والمؤسسات الأمنية والمراكز البحثية الإسرائيلية انشغلت في سنوات سابقة في التعامل مع مثل هذا السيناريو الكابوس، ووضعت جملة استعدادات مطلوبة تدفع الاحتلال للقيام بعدة خطوات لتحضير الجاهزية الميدانية اللازمة لإمكانية التدخل السريع في التطورات الحاصلة في الدولة الفلسطينية عند الحاجة، بعد قيامها، وتهيئة الأجواء السياسية لهذا التدخل، وضرورة أن يشمل هذا الإعداد الدول العربية المجاورة، وأوساط "منتقاة" من داخل الساحة الفلسطينية.
لكن كلام غانتس قطع الطريق على بحث هذه السيناريوهات، وكأن لسان حاله أنه أراح دولته من التعامل معها، بتصريحه العلني بأنه لن تقوم للفلسطينيين دولة، وسط "صمت قبور" خيم على ضيوفه الذين استضافهم في بيته المقام على أنقاض قريتنا الفلسطينية "مجدل الصادق"!