على الرغم من آلاف الكيلومترات الفاصلة بين دولة الاحتلال وأوكرانيا وروسيا، لكن حجم التأثير المتعدد الجوانب لأزمتهما عليها ظهر لافتاً، وبصورة متزايدة مع مرور الوقت، ما يطرح جملة تساؤلات جدية عن طبيعة هذا التأثير، ولماذا تبدو (إسرائيل) طرفا في أزمة دولتين جارتين بعيدتين عنها، ولا ترتبط معهما بحدود مشتركة.
ومع أن دولة الاحتلال سعت للعب دور الوساطة بين روسيا والولايات المتحدة لكنها منيت بالفشل، ربما لأن الأزمة تتجاوز حجمها، أو لأن الروس شعروا أنها بصدد نقل الموقف الغربي الذي تتبناه، وليس دور الوساطة النزيهة.
صحيح أن الاحتلال معني بأن يبقي علاقاته قوية مع طرفي الأزمة، لكن نشوبها بينهما دفعه للزاوية، ما قد يجبره، مضطرا، لأن يتخذ موقفا واضحا للانحياز تجاه أي منهما، بعيدا عن اللون الرمادي الذي رغب به، خشية أن يفقد مكاسبه من علاقاتهما معهما، ومعاً في آن واحد.
ومع ذلك، فإن حجم الانخراط الإسرائيلي اللافت بهذه الأزمة، وصل لدرجة وكأنها باتت تطرق حدودها، ما يشير لجملة من الأسباب والعوامل والدوافع التي وقفت خلف الموقف الإسرائيلي "المتورط" فيها، ومن أهمها التقدير الإسرائيلي بأن تطورها وتفاقمها قد يشغل الولايات المتحدة عن المنطقة، ما قد يجعل ظهر الاحتلال مكشوفاً، استمرارا لحالة الانسحاب الأمريكي تدريجيا منها، الذي بدأ في العراق، وتلاه في أفغانستان، وقد يدفع دولا أخرى في المنطقة لملء هذا الفراغ، وهي تتطلع لأخذ دور إقليمي، بعكس الرغبة الإسرائيلية.
فضلا عن وجود جالية يهودية إسرائيلية في البلدين، بمئات الآلاف، ما قد يعرضهم للخطر في حال تدهورت الأزمة إلى حالة من غزو روسي لأوكرانيا، ولذلك سارعت وزارتا الخارجية والشتات في (تل أبيب)، والوكالة اليهودية للهجرة لوضع الخطط الكفيلة بإجلاء يهود أوكرانيا قبيل وقوع الخطر عليهم.
ربما يرى الاحتلال أن اضطراره لاتخاذ موقف منحاز تجاه أي من طرفي الأزمة، منسجم مع حالة الاصطفاف الدولي فيها، وعودة أجواء الحرب الباردة، وانقسام العالم كله بين المعسكرين، في حين أنه يريد أن يكسب منهما معاً، وهذا ديدنه في كثير من الأحيان.
لا يخفي الاحتلال الضغوط التي تمارس عليه من القوتين الأعظم في العالم، الولايات المتحدة وروسيا، للانحياز لموقفها في هذه الأزمة، فالأولى معنية بتحشيد أكبر عدد ممكن من الدول بجانبها، خاصة حلفاءها الذين تريد رؤية مصداقية تحالفهم في هذه الأوقات العصيبة.
ربما لن تقبل واشنطن المظلة العالمية الأهم للاحتلال، بأقل من انحياز لموقفها في هذه الأزمة، أما موسكو فمعنية بأن تحصل على مقابل "الامتيازات" التي وفرتها له، مثل حرية الضربات الإسرائيلية في سوريا، والملف النووي الإيراني، والقضية الفلسطينية، وتعتقد أنه آن أوان أن ترد (إسرائيل) على هذه الفوائد، وإلا ستضطر لخسارتها.