لم يعد سراً أن هناك تخوفا يسود في أوساط صناع القرار الإسرائيلي أن دولة الاحتلال ستتحول عما قريب إلى دولة لكل مواطنيها، أي ليست يهودية بالقدر الكافي الواضح، وذات توجهات وطنية وقومية أخرى، رغم ما تبذله من إجراءات لا تتوقف لاضطهاد من هم غير اليهود، ولا سيما فلسطينيي 48، في مسعى لا تخطئه العين لترسيخ هدف الدولة اليهودية، كعنوان مركزي يلخص المشروع الصهيوني برمته.
تتزايد هذه المخاوف الإسرائيلية، رغم أن بعضها يأتي في طور التضخيم والمبالغة لاستدراج مزيد من الهجرات اليهودية، من أن اليهود، سيتحولون رغما عنهم إلى جزء من مكونات الدولة، بل أسوأ من ذلك، لأن فلسطينيي48 سيحققون أغلبية سكانية.
يحذر الإسرائيليون، أو على الأقل دوائر صنع القرار "المهووسون" بالقنبلة الديموغرافية، أنه ما لم تعرض هذه الحقائق للنقاش الجاد أمام المحافل ذات الاختصاص في الدولة، فإنهم "يغطون" في نوم عميق، لأن فلسطينيي48 ليسوا صهاينة، ولن يكونوا كذلك أبدا، وما أحداث هبة مايو الأخيرة واحتجاجات النقب إلا أدلة دامغة على ذلك، بل إنهم يريدون، ويعلنون، عدم انتمائهم للدولة، وبالتالي فهم غير معنيين البتة بإقامة دولة يهودية.
من المخاطر الديموغرافية المتزايدة في البروز مع مرور الوقت، أن فلسطينيي48 حين يصبحون أغلبية سكانية سيصبحون أكثر قوة، وسيتمثلون في الكنيست بنسب متزايدة، صحيح أن ذلك بحاجة لمزيد من المفاعيل السياسية والقانونية، لكنه يبقى خيارا قائما.
من أجل مواجهة ما يعتبره الإسرائيليون خطرا ديموغرافيا، تطرح الأوساط المتخصصة جملة احتمالات، قد تكون غير عملية، من بينها التفريق بين التجمعات السكانية، وما يتبعه من تغيير طريقة الانتخابات المحلية، دون إحداث ضجيج "قومي" لدى فلسطينيي48، بل اتخاذ قرار صريح ومباشر بموافقة مختلف الأطراف للمحافظة على بقاء الدولة يهودية.
احتمال آخر يتمثل بالانفصال كلياً عن فلسطينيي48، خاصة في شرقي القدس، من كل جزء بها لا يضم أماكن مقدسة لليهود، مع العلم أن هذا الاحتمال يأخذ جديته في ضوء أن شرقي القدس يقطن فيها ربع مليون فلسطيني يحملون الهوية الإسرائيلية، و200 ألفا آخرين دخلوا المدينة بصورة غير قانونية، وفق التصنيف الإسرائيلي.
أخطر من ذلك، تطرح احتمالية تبدو صعبة، لكنها غير مستبعدة، بالانفصال عن المثلث الشمالي، وتجمعات البدو في الجنوب، مع أنه لن يتحقق بصورة أحادية كما غزة، بل عبر مفاوضات سياسية، مع أن مجمل هذه الاحتمالات، إذا نجحت، فإن نسبة اليهود سترتفع إلى 80-90%.
هذه مجرد احتمالات تطرح في دوائر البحث والقرار الإسرائيلية، قد لا تجد طريقها للتحقق في ضوء جملة من العوامل أهمها أن دولة الاحتلال لم تعد لوحدها صاحبة القرار الوحيدة في المنطقة!