كيانٌ لن يذوق طعم الاستقرار ما دام ناهباً لأرض الغير، بهذه العبارة يمكننا تلخيص مجريات الأحداث، فمن سرق الأرض بموجب وعد زائف لا يمكنه أن يستقر فيها وينعم بالأمان، وبالأحرى من اعتبر بأنه يحفظ فئةً من الانحلال عبر سلب الممتلكات فحتماً مخطئ ولا يمكن لحساباته ان تصيب، لعبة بدأت معالمها تظهر عقب لقاء كوينسي عام 1945 حيث عبر حينها الملك عبد العزيز آل سعود عن فرحته العارمة لروزفلت بتسليم فلسطين كوطن بديل لليهود الذين دمرت منازلهم في أوروبا وبالتحديد ألمانيا، بعد أن رُفضت فكرة أن تكون بولندا كوطن بديل لهم. لقاء من تحت الطاولة، تم بين أطراف لم تُظهر رأسها إلى الآن، بيع وشراء على حساب الشعوب، مخططات شيطانية أخفي نصفها عن بُلْه القوم، فلم يفكر سليل آل سعود حينها أبعد من انفه، واكتفى ببعض الدنانير والشركات السارقة المنقبة عن النفط، وبالتأكيد فإن كل ما جرى ليس حباً باليهود واستماتةً من أجلهم بل لكي تبقى أمريكا طرفاً آمناً يتجنب عدائية اليهود وعقليتهم المتطرفة في مجتمعها، تكلل الحديث آنذاك بجملة مفيدة أدلى بها الملك “العرب سيختارون الموت على تسليم أراضيهم لليهود” لم يكن هذا موقفاً بالتأكيد بقدر ما كان تحذيراً بأن هذا صراعٌ بين العرب باستثنائه واليهود، نظراً لفهم واقع وأيدلوجية العرب الرافضة لأي نظام حكم خارجي.
البداية غير الموفقة تتجسد في اختيار هكذا مكان، ويمكن أن نقول بأن هناك ضعف رؤية، بل انعداما، لأنه بطبيعة الحال مشروع استيطاني ولم يؤخذ له أبعادٌ على المدى الطويل، وظن أطرافه بأن رفضه لن يدوم طويلاً وبعدها سيتأقلم العالم معه على أنه حدثٌ اعتيادي.
مدةٌ إضافية مقابل خدمات إضافية.
كانت مدة الاتفاق 60 عاماً أي انتهت صلاحياته منذ العام 2005، لكن سرعان ما تم تجديده من قبل الرئيس جورج بوش وتعهد بتأمين حماية غير مشروطة للعائلة الحاكمة السعودية، مقابل إمداد الولايات المتحدة الأمريكية بمستلزمات الطاقة وكل ما تحتاجه، ولعل الأهم من الطاقة هو بقاء اليهود على الطرف الآخر من الأرض، أي بشكل مبطن توصل أمريكا رسالةً مفادها ضمانة بقاء ال سعود تنتهي بمجرد حدوث أي أزمة تستدعي مغادرة اليهود من فلسطين، والضمانات في هذا الصدد أشبه بالقابض على الماء، وخصوصاً في ظل تواجد كابوس يحيط مستوطنات الكيان من كل صوب؛ غزة، لبنان، وسوريا التي أظهرت مؤخراً قدرات عالية بعد أن وصلت صواريخ دفاعها الجوي سماء جنين في الضفة الغربية بفلسطين. وهنا تفاقمت المسؤولية الموكلة للمملكة، فوُضعت أمام مواجهة إقليمية جعلتها سكيناً في خاصرة فلسطين وكل من يؤيد موقفها وقضيتها المحقة، وبدلاً من أن تشكل الحضن العربي، ارتمت في أحضان أمريكا.
-من ترامب الى سلمان بن عبد العزيز ”لن تستمر في السلطة لمدة أسبوعين دون دعمنا العسكري”.
ظهرت طبيعة العلاقات السعودية الامريكية بشكل ملحوظ خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، والذي اعتبر من أكثر الرؤساء غرابةً في تاريخ أمريكا، واشتهر بتصريحاته التي يمنن بها حلفاءه ويستعلي عليهم بحجة أنهم بدونه سيسحقون، فأثناء اجتماعه بحشد في مسيسيبي صرح ترامب بأنه يحمي السعودية، ولكن هذا ليس مجانياً بالتأكيد، وأن الملك عليه دفع تكاليف جيشه وألا يتوقف عنه الدعم. بالرغم من التصريحات الكثيرة المماثلة والتي تدل على علاقة مصلحة بين الملك سلمان وترامب، إلا أن العلاقات لا يمكنها أن تتأثر وخصوصاً في فترة انغماس السعودية في الحرب على اليمن. على المقلب الآخر كان لترامب علاقات جيدة أيضاً مع حكومة الاحتلال والتي كانت برئاسة بنيامين نتنياهو، وكان من أكثر الرؤساء المتفاهمين مع اليهود، ودَعمهم في إنشاء آلاف المستوطنات الإضافية، وكما أعلن عن مشروع صفقة القرن، والذي يعترف بوجود كيان اسمه (إسرائيل) وينص على شرعيته وحقه في الأرض، وكما أيد العديد من الحملات الاستيطانية المتطرفة التي تريد هدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل، هذا كله لم يؤثر على علاقة سلمان وولي عهده مع ترامب بالرغم من الأهمية المقدسة التي يحتلها المسجد الأقصى لدى المسلمين.
برنامج التطبيع إنجاز ترامب في جر أنظمة الحكم الخليجية.
هدف ترامب إلى أن يكون رئيس الولايات المتحدة لمرة أخرى، فسعى للبحث عن إنجاز يثبت وجوده ويعززه في نظر الرأي العام، ونجح في إيجاده، ونظراً لعلاقاته التي يمتلكها مع الكيان المحتل والدول العربية وخصوصاً الخليجية، فقد عمل على إنشاء صلة وصل تربط فيما بينهم وبهذا تضعف القضية الفلسطينية، فتنجر الساحة بأجمعها للاعتراف بـ (إسرائيل)، إلا أنه أخطأ التقدير بظنه كل العرب مثل حكامهم أو كل الحكام مثل حكام المال في الخليج، أصابت طلقته الأولى في الإمارات، وزار بعدها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد الإمارات وافتتح سفارة الكيان المحتل في أبو ظبي، وعقدت الصفقات في شتى مجالات الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتلت البحرين الإمارات لتكون رابع دولة عربية تعترف بوجود (إسرائيل) وتبني معها شراكات مختلفة ليتم بعدها الاحتفال بمناسبة العار في البيت الأبيض في أمريكا.
منذ عام 1945 حتى اليوم خيانةٌ عربيةٌ واحدة
يعيد التاريخ نفسه، فما فعله الآباء يوم كوينسي يعيده الأبناء يوم ترامب وغيره لكن بوقاحة أكبر، وكأنهم يتسابقون أيهم أشد خيانةً، وأرخص فكراً. وإذا وجد ترامب بعض الأدوات المطيعة فهناك الآلاف من الضمائر الحرة التي ستظل تصدح بحق الشعب ببلاده، وحق الأرض والعيش عليها والاستفادة من كل شبر فيها، ومن هنا لكي تعود البلاد سنشهد مزيداً من الاتفاقيات والوعود، وباعُ التطبيع طويل والرخص يُبحث عنه في الأزمات.