في حين لا تتوقف الماكنة الدعائية الإسرائيلية عن التشهير بالمناهج الدراسية الفلسطينية، وعدها حاضنة للتحريض على المقاومة، وتنفيذ العمليات المسلحة؛ إن إلقاء نظرة فاحصة على المناهج التعليمية لدى الاحتلال -خاصة في السنوات التسع الإلزامية- يكشف عن كيفية تشكيل وعي الفرد الإسرائيلي بالطريقة التي تضمن الحفاظ على روح العداء للعرب، وتشويه صورتهم، والتأكيد على الخطط التوسعية.
مع العلم أن المناهج التعليمية الإسرائيلية في جميع المراحل الدراسية، الأساسية والجامعية، تقوم على عدد من المعايير والمحددات، أهمها فلسفة الاضطهاد، وإثارة الشعور بالذنب لدى سائر شعوب الأرض لمؤازرة اليهود؛ وإحياء القومية اليهودية، وجمع شتات اليهود في وطن واحد، وربط الدين بالقومية، والبحث عن مسوغات وجودها في الدين اليهودي والكتاب المقدس وكتب التلمود.
من الأمور المتلازمة في المناهج الدراسية الإسرائيلية تركيزها على مفاهيم العرقية والتمييز العنصري والقوة المقرونة بالعدوانية والاستعلاء والتحقير، مستندة إلى نصوص دينية، أو آراء لفلاسفة يهود توضح تفوقهم على سائر الشعوب الأخرى، وأن الله اختارهم لعبادته فقط، وباقي البشر عبيد عندهم.
إن المطلع على الكتب التعليمية الإسرائيلية يلاحظ حقيقة الوجهة التربوية في نظرة اليهودي الإسرائيلي إلى نفسه وإلى الأغيار، خاصة العرب، إذ يرى ذاته متقدمًا، وغيره خدمًا ومتخلفين، يسعى لنقلهم إلى حالة الرقي والتقدم، ويلصقون بالعرب العبارات السيئة مثل: "الغباء، والفشل، والقذارة، والتوحش، والسطو، وميلهم للتخريب؛ لذا يجب اقتلاعهم".
أكثر من ذلك، فإن التربويين الإسرائيليين يقررون في مناهجهم الدراسية التأسيسية كذبة أن "فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، وشعبها ليست له هوية، و"سكانها متوحشون احتلوا البلاد، وخربوها؛ وهم ليسوا أكثر من قُطَّاع طرق وقذرين، ثيابهم رثة، يمشون وهم حفاة الأقدام، لذا يجب أن يعودوا للصحراء".
كما تعج المكتبة الإسرائيلية بمئات، بل آلاف من قصص الأطفال اليهود، هدفها الأساسي غسل دماغهم، وتصوير العربي بأبشع الصور، فهو "قاتل ومخادع".
تصل عنصرية المناهج الدراسية الإسرائيلية إلى حد الاستعانة بالتصاوير الاستعلائية العدائية المصاحبة للنصوص التعليمية بتصوير الإنسان العربي على أنه "طويل القامة، عريض المنكبين، يلمع في عينيه بريق الغضب، وجهه قاسٍ تحت جبين ضيق وصغير، وشاربه مدبب"، ما يثير في نفوس الأطفال اليهود الرعب والخوف، في حين تصف الجندي اليهودي بأنه مسالم لا يحب الدم والقتل، ومن يدفعه لذلك هو العربي المتعطش إلى الدماء والقتل.
الباحث اليهودي "إيلي بوديه" قدم شهادة "بألسنتهم" عن طبيعة الدور السلبي لمناهج ومضامين التعليم العبرية في إذكاء وتكريس العداء والصراع مع العرب، قائلًا: "إن المشهد الذي تراءى لي من مراجعة كتب التاريخ والكتب المدرسية طيلة نصف قرن لا يبعث السرور، فالصور السلبية ونطاق التضليل حيال العرب مثّلا رؤية طاغية في كتب التدريس الإسرائيلية المنحرفة، لأنها سعت بالأساس لـ"شيطنة" العرب، وتجريدهم من إنسانيتهم".