مع توالي صدور التقييمات الإسرائيلية بشأن المخاطر الماثلة أمام الاحتلال، داخليا وخارجيا، يحذر واضعوها أن السياسات الأمنية المتبعة لمواجهتها، ستبرز أمامهم واقعا جديدا ملؤه تعاظم الخطر القادم.
يقر كاتبو هذه التقديرات التي تتسم بالطابع الاستراتيجي أن الجذور العميقة للثقافة الأمنية في (إسرائيل)، لم تفلح حتى اللحظة في القضاء على أعدائها، رغم ما يعتبرونها إنجازات متواصلة يحققونها في بعض الساحات، لكنها في الوقت ذاته أسفرت عن "ندوب" في جسد الدولة، لم تتعافَ منها بعد، فضلا عن تحقق إصابات بليغة في بيئتها المحيطة.
يتعزز هذا الرأي المتشائم لدى المحافل البحثية الإسرائيلية في ضوء ما شهدته الآونة الأخيرة، من ظهور العديد من الشواهد والمعطيات الميدانية التي تشير بصورة أو بأخرى إلى رغبة القوى المعادية للاحتلال بترسيخ وجودها على الأرض، رغم التهديدات الإسرائيلية الموجهة ضدها.
لكن العمل الحثيث الذي تجريه تلك القوى، أمام الرادار الإسرائيلي، وبعيدا عنه في الوقت ذاته، يثبت بوضوح كم تبدو (إسرائيل) "مصابة بالعمى" رغم التطورات الخطِرة القادمة من عدة جبهات محيطة بها: جنوبا مع قطاع غزة، وحديثا مع اليمن، وشمالا مع سوريا ولبنان، وشرقا مع إيران والعراق، وفي القلب منها الضفة الغربية وفلسطينيي الـ48.
لقد مثلت العديد من الأحداث الميدانية الأخيرة فشلا أمنيا إسرائيليا خطيرا، ويمكن اعتبارها مؤشرا صارخا على إخفاق المنطق الأمني السائد في جيش الاحتلال، على اعتبار أن المعطيات الحالية تقود إلى قناعة بدت تتزايد في أوساط المنظرين الأمنيين مفادها أن هذا الوضع لن يستمر بصورة هادئة خلال الفترة القادمة، بغض النظر عن مكان اشتعال الجبهة المقصودة.
ورغم أن عدد الصواريخ الواقعة على التجمعات الاستيطانية الإسرائيلية القادمة من الجنوب أو الشمال، على حد سواء، متناقصة، لكنها ما زالت تتساقط بين حين وآخر، وعليه فليس لأحد من مسؤولي الأجهزة الأمنية قدرة على تنبؤ متى قد تقرر هذه الجبهات تصعيد الوضع الميداني من جديد، وتسخين الجبهة العسكرية فيها.
يتهم ناقدو النظرية الأمنية الإسرائيلية السياسةَ التي تنفذها الحكومة حاليا في مختلف الجبهات، رغم الضربات التي توجهها في بعضها، بأنها تسببت بـ"قطع أقدامها" ليس أكثر، ورغم أن أوساطا واسعة في المؤسسة الأمنية تفهم هذه الحقيقة، لكنهم مع ذلك يواصلون ذات السياسة بذات الطريقة البائسة، وفق التصنيف الإسرائيلي.
هذا يعني أن عجز السياسة الإسرائيلية الحالية ذات البعد الأمني تمنع الجيش من القيام بعمليات مجدية أمام القوى المعادية؛ ما سيجعلها تسرع مع مرور الوقت بهبوب "عاصفة" ما، دون تحديد مصدرها بالضبط: شمالا أو جنوبا أو شرقا، ولعل السؤال المؤرق للإسرائيليين اليوم: هل أن الدولة لديها القدرة اليوم على منع تنفيذ كابوس كهذا، مع وجود إرهاصات تنفي هذا الاستعداد؟