بعد إقرار الاحتلال قانون منع لم الشمل للعائلات الفلسطينية بالقراءة الأولى في الكنيست، فقد بتنا أمام عمل تمييزي صريح، ينتهك حقوق الإنسان والحريات الفردية الأساسية، ويضيف شرعية لاتهام الاحتلال بأنه يمارس نظام الفصل العنصري، والتمييز المنهجي ضد الفلسطينيين، حتى لو زعم أنه مؤقت، فهو في النهاية خطأ جوهري، وغير أخلاقي.
مع العلم أن حكومة الاحتلال حين أقرت هذا القانون، الذي تسميه قانون المواطنة، بجانب مجموعة من مشاريع القوانين الخاصة، تسببت بصدور أجراس التحذير ليس فقط داخل (إسرائيل)، ولكن أيضًا في الخارج، ما يجعلها تقف أمام جملة من العواصف السياسية التي تطارد بعضها بوتيرة مذهلة، وتعمل على تقويض أسس نظامها السياسي، وهذا القانون، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، سيزيد من تأثيره السلبي على طبيعة الدولة، ومؤسساتها.
إن قانون منع لم الشمل، لا يفي حتى بأدنى معايير تشريعات حقوق الإنسان، لأنه يمنع الفلسطينيين من لم شملهم مع زوجاتهم اللواتي يحملن الجنسية الإسرائيلية، وحرمانهم من الحصول عليها وعلى الإقامة الدائمة أو المؤقتة، مع أن تصاريح الإقامة المؤقتة نشأت في يوليو 2003، في ذروة انتفاضة الأقصى.
منذ عام 1967 وحتى التسعينيات وافق الاحتلال على 130 ألف طلب لم شمل لعائلات فلسطينية، ولكن اعتبارًا من يوليو 2003 أوقفت هذه السياسة كتدبير مؤقت، لمدة عام واحد، بسبب أحداث الانتفاضة، بزعم منع دخول فلسطينيين قد يشكلوا خطرًا ديموغرافيًّا عليها، أو يشاركون في أنشطة مسلحة ضدها، فضلًا عن إحباط تغيير في التوازن بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية، واليوم يزعم الاحتلال أن الدافع الرئيس وراء القانون هو الحفاظ على أمن الدولة وهويتها اليهودية.
إن تقييد الحق في حياة أسرية منتظمة له نكهة عرقية قومية حادة، وينطبق فقط على فلسطينيي الـ48 وليس اليهود، ومثل هذا التمييز الديني والقومي يجسد تحيزًا بنيويًّا عميقًا، ما يجعلنا أمام قانون عنصري صريح دون مواربة، رغم مزاعم الاحتلال بأن الـ12700 فلسطيني الذين يُسمح لهم بالعيش في (إسرائيل) اليوم كمقيمين مؤقتين مع أزواجهم، ولكن دون حقوق طبية واجتماعية أساسية، يشكلون "تهديدًا ديموغرافيًّا" للأغلبية اليهودية في الدولة.
وبينما أكدت المحكمة العليا في 2006 أن ذلك الإجراء المؤقت يتعارض مع كرامة الإنسان وحريته، فقد أدت الالتماسات المقدمة في 2012 لنقضه من 11 قاضيًا، لأن انتهاك حقوق الفلسطينيين لم يعد متناسبًا مع المخاوف الأمنية المستمرة، ما يجعل من هذا القانون الخاص بمنع لم شمل العائلات الفلسطينية وصمة عار على الاحتلال، وعمل تمييزي صريح، وربما يفاجأ بعد بضع الوقت أنه سيضره أكثر مما ينفعه على المستويين الأمني والإنساني، ما يتطلب إسقاطه لاحقًا، ودفنه للأبد.