جاء الاغتيال الدامي لثلاثة من المقاومين الفلسطينيين في قلب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وفي وضح النهار، فرصة جديدة للحديث عن المهام القذرة للوحدات الخاصة في جيش الاحتلال، وما ترتكبه من عمليات تصفية بدم بارد.
حملت عملية الاغتيال في نابلس جملة من الأهداف الإسرائيلية التي لا تخطئها العين، لعل أهمها وقف سلسلة الهجمات المسلحة الأخيرة التي باتت تشهدها مدن ومخيمات الضفة الغربية، ضد جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين، ما يعني تصاعد قوة المقاومة، وإيقاعها خسائر في صفوف الإسرائيليين، على الرغم مما تتعرض له من حملات استئصال وملاحقة من قبل أجهزة أمن الاحتلال والسلطة الفلسطينية في آن واحد معاً.
كما يود الاحتلال من هذه العملية الدامية ترميم صورته الردعية التي تضررت كثيرا في الآونة الأخيرة أمام رأيه العام الداخلي، سواء بسبب عجزه عن وقف هجمات المقاومين في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، وقبلها فشله الذريع في عدوانه على غزة في مايو الماضي، الأمر الذي وجد ترجمته في تراجع ثقة الإسرائيليين بجيشهم الذي "كان لا يقهر"، من خلال ما كشفته استطلاعات الرأي الإسرائيلية، وأشعل أضواء حمراء في أروقة صناع القرار الإسرائيلي.
لعلي أرجح أن القرار الإسرائيلي اتخذ عن سابق إصرار وتعمد باستهداف المقاومين الثلاثة بالاغتيال والقتل، دون بذل جهد لاعتقالهم أو توقيفهم، رغبة من الاحتلال باستعادة مشاهد القتل والتصفية التي شهدتها المدن الفلسطينية في ذروة انتفاضة الأقصى، ويزعم الاحتلال أن هذه المشاهد قد تسبب حالة ردعية لدى مقاومين آخرين، بعدم انتهاج ذات النهج الذي سار عليه الشهداء الثلاثة، بعد إخفاق سياسة الاعتقال والمحاكمات في كبح جماح المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية.
لقد بادر جيش الاحتلال لتشكيل هذه الوحدات الخاصة لتنفيذ سياسة الاغتيالات في صفوف النشطاء الفلسطينيين، وعرفت فيما بعد بأسماء "الوحدات الخاصة، المستعربين، فرق الموت"، لترميم المعنويات المتدنية في صفوف الجنود نتيجة الفشل في إنهاء المقاومة، من خلال انتحالهم شخصيات عربية، وارتدائهم ثيابا تنكرية، تطارد ضحاياها، فتنصب لهم الكمائن، وصولا لتنفيذ عملية القتل الميداني من مسافة صفر.
لعل إطلاق أفراد الوحدة الإسرائيلية ثمانين رصاصة على سيارة الشهداء الثلاثة في نابلس دليلا لا يحتمل التشكيك أننا أمام مجموعة قتلة مجرمين، وفي الوقت ذاته يطرح هذا الاغتيال سؤالا آخر برسم الإجابة عن مظاهر السيادة الزائفة التي تتحدث عنها السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية، فضلا عن مطالبتها الدائمة بوجود سلاح شرعي وحيد، ومنع أي سلاح آخر، قاصدة بذلك سلاح المقاومة، فأين كانت السلطة وأجهزتها لمنع سلاح الاحتلال من قتل أبناء شعبنا على مرأى ومسمع منها!