بات الحديث الإسرائيلي عن التقارب مع تركيا الشغل الشاغل لوسائل الإعلام ومراكز البحث الإسرائيلية بصورة لافتة، بحيث تصدر تقييمات متباينة، ويُسلَّط الضوء على مواقف مختلفة إزاء هذا التقارب، بين من يراه فرصة سياسية لا يجب تفويتها، وآخر يعدها تنازلًا تركيًّا يجب استغلاله للضغط أكثر على أنقرة، وفريق ثالث ينظر لها من البوابة الاقتصادية الجديدة لزيادة التعاون الإقليمي في صفقات الغاز والحركة التجارية.
يربط الإسرائيليون بين التقارب مع تركيا مع ما شهده فصل الشتاء فيها، إذ شهدت إحدى كبرى أزماتها في مجال الطاقة، ما شكل لها جرس تحذير بشأن اعتمادها على خط أنابيب الغاز الإيراني، ومع سلسلة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تشهدها، فقد ترى بالتوجه نحو (إسرائيل) فرصة ملائمة لتفكيك بعضها، عشية عام الانتخابات الرئاسية المقبلة.
في ذروة الحديث التركي عن تطبيع العلاقات مع الاحتلال، أعلنت أذربيجان أنها ستزيد كمية الغاز الطبيعي إلى تركيا لتمكين اقتصادها من العمل بشكل صحيح، ولا يزال من غير الواضح متى سيعود خط الأنابيب للعمل بكامل طاقته، مع أن عاصفة "ألفيس" ألحقت أضرارًا جسيمة بالاقتصاد التركي.
تزعم الأوساط الإسرائيلية أن التطورات الاقتصادية التركية شكلت جرس إنذار جديد فيما يتعلق باعتمادها على خط أنابيب الغاز الإيراني، وبغض النظر عن ارتباط هذا القلق التركي بهذا الأمر، لكن أردوغان الذي سارع لإعلان زيارة رئيس الاحتلال يتسحاق هرتسوغ المرتقبة لتركيا، لفتح صفحة جديدة في علاقاتهما، عاد لإعلان تأجيلها لمنتصف مارس.
تتمسك هذه الفرضية الإسرائيلية بالقول إن دوافع أنقرة بالتوجه نحو تل أبيب اقتصادية بحتة، رغم أنها كانت من أشد منتقدي اتفاقات التطبيع، لكنها غيرت موقفها، وسط مزاعم إسرائيلية بأن سياسة أنقرة المعادية لتل أبيب سببت لها خسائر دبلوماسية واقتصادية، وبينما توترت علاقاتها مع الواقع الجيوسياسي المحيط بها، فإن (إسرائيل) أقامت علاقات جيدة مع الدول العربية والإسلامية من الخليج إلى القوقاز، خاصة أذربيجان التي تحظى فيها (إسرائيل) بمكانة كبيرة على المستويين العسكري والدبلوماسي، ما يزعج تركيا بصورة لا تخطئها العين.
اللافت وفق قراءة تل أبيب أنها لا تستجيب، على الأقل حتى الآن، للكتف الساخنة القادمة إليها من أنقرة، ربما بسبب الخبرة السابقة، لأنه بعد اتفاق تعويض ضحايا مرمرة، اعتقدت أنه تم فتح صفحة جديدة في العلاقات، لكن أردوغان عاد بعد ذلك لمواقفه المتضامنة مع القضية الفلسطينية، ما ترك لديها حالة من المرارة وخيبة الأمل، ما سيجعل من زيارة هرتسوغ المرتقبة لأنقرة فرصة ليس فقط للاستماع من الأتراك، وإنما إسماعهم أيضًا، وفق التقدير الإسرائيلي.