فلسطين أون لاين

3 مرضى من أسرة واحدة يقاسون "الموت البطيء" بسبب التحويلات

...
سيارة إسعاف تقل أحد المرضى (أرشيف)
غزة - مريم الشوبكي

أنهك المرض جسدها، وتفاصيله ترويها تجاعيد وجهها، تكالبت عليها الشدائد، آلام مرضها الخبيث، ومرض ابنها الشاب، وزوجها المصاب بمرض القلب، وقلة ذات اليد التي بفعلها تتجرع الأسرة كلها آلامًا مبرحة، وما يزيد الطين بلّة وقف التحويلات المرضية للعلاج في الخارج بقرار من السلطة الفلسطينية.

"ه. ج" مريضة بسرطان الثدي، تبلغ من العمر 46 عاما، منذ اكتشاف مرضها الخبيث منذ 13 عاما وهي تسافر بين الحين والآخر لتتلقى علاجها في مستشفيات الداخل المحتل، لعدم توفر الإمكانيات اللازمة في مستشفيات قطاع غزة، ولكن قبل عام شددت السلطة الخناق على مرضى التحويلات الخارجية، فلم يعد بالإمكان الحصول عليها إلا بشق الأنفس.

زوجها تحدث لـ"فلسطين" عن معاناته مع مرضه هو وزوجته ونجله: "منذ 13 عاما أقوم بإجراءات الحصول على تحويلة مرضية لزوجتي ومرافقتها لتتلقى علاجها في الداخل المحتل، ولكن منذ عام أصبحتُ وزوجتي نعاني على معبر إيرز حيث نخضع لجلسات تحقيق ترهق أجسادنا".

وقال: "بالإضافة إلى ذلك، تأجلت مواعيد علاج زوجتي أكثر من مرة بحجج الفحص الأمني، وهذا جعل اليأس يتسلل إلى نفسها، حيث باتت تجري بعض التحاليل في مختبرات غزة للاطمئنان على وضع المرض عندهاـ رغم أنها غالية الثمن وليس باليد حيلة، ولكن هذا بديل مؤقت حتى يُسمح لها بالسفر".

وتتعرض الكثير من الحالات المرضية المحولة للعلاج داخل الأراضي المحتلة عام 1948 للاستجواب والابتزاز من قبل قوات الاحتلال على حاجز بيت حانون "إيرز".

الزوج "م. ه" الذي يعاني من مرض القلب بات وضعه الصحي لا يحتمل مشقة السفر وساعات التحقيق الطويلة نظرا لصعوبة حالته، وكذلك الحال بالنسبة لزوجته، ويعلق آماله حاليا على فتح معبر رفح البري بشكل كامل وتحويل أوراق زوجته لكي تعالج في المستشفيات المصرية بدلا من مشافي الاحتلال، رغم أن الأخيرة تتفوق في إمكانياتها.

لم تتوقف معاناة هذه العائلة عند مرض الأبوين، بل امتدت حينما تم اكتشاف مرض سرطان الدم عند نجلهم الشاب ذي 23 عاما، والذي قرر والده طلب تحويلة لعلاجه داخل المستشفيات المصرية بدلا من الإسرائيلية، بسبب ما عايشه من معاناة في حصول زوجته على تحويلة لتلقي العلاج فيها.

ومنذ عام تقريبا تمكن الشاب من الحصول على تحويلة والسفر إلى مصر، ونظرا للإغلاق المتكرر لمعبر رفح ولأشهر طويلة، وحاجته الملحة للعلاج بسبب تفشي المرض داخل جسده، لم يجازف الأب بعودة ابنه إلى غزة والانتظار فيها إلى حين حلول موعده الثاني للخروج، فاقترح عليه البقاء في مصر حتى ذلك الموعد، رغم التكاليف المرهقة التي تحملها، وبالفعل استمر مكوثه عاما كاملا حتى زرع نخاعًا شوكيًا، ومن ثم عاد.

وقال والده: "وحتى الآن ننتظر فتح معبر رفح لكي يسافر ابني لاستكمال علاجه ولإجراء بعض الفحوصات المخبرية والأشعة للاطمئنان على حالة المرض، خشية من تفشيه في باقي جسده".

الأب يعاني أيضا، فهو مُصابٌ بمرض القلب، واستدعت صعوبة حالته الصحية نقله للعلاج في مستشفى المقاصد في القدس المحتلة بعد حصوله على تحويلة طبية، وهي المرة الأولى والوحيدة بداعي أن هناك حالات أخطر منه تنتظر دورها في السفر ولها الأولوية.

وما زال الرجل يتحامل على مرضه ويضطر، كلما ساءت حالته الصحية، إلى مراجعة مستشفيات غزة، ولا يجد حلّا سوى تناول المسكنات التي تخفف من آلام قلب، والتي لا تُقارن، حسب قوله، بآلام زوجته وابنه المصابين بالسرطان، مما يجعله مؤمنا بأحقيتهما في السفر لتلقي العلاج بدلا منه.

رب البيت موظف حكومي، ولكن راتبه لا يغطي مصاريف العلاج وإجراء التحاليل له ولزوجته وابنه، ونظرا لصعوبة وضع العائلة الصحي والمادي أيضا، قدمت زوجته طلبا للحصول على راتب من الشئون الاجتماعية، ولكن قُطع منذ عام تقريبا.

وطالب م. ج وزارة الشئون الاجتماعية بإعادة هذا الراتب لزوجته لكي تتمكن من شراء العلاج الخاص بمرض السرطان، وإجراء التحاليل وصور الأشعة الدورية، التي أثقلت كاهله وبات لا يستطيع توفيرها في بعض الأحيان.

وعبر عن آماله قائلا: "كل ما أتمناه أن ينظر العالم إلى أهالي غزة بعين العطف، ويمنحهم أبسط حقوقهم الإنسانية، وأناشد المسئولين الحكوميين لتحييد المرضى والغزيين جميعا عن المناكفات السياسية التي تجعلهم يموتون موتا بطيئا".

ويبقى أمل م.ج معلقا على فتح معبر رفح البري بشكل متواصل لكي يتمكن من السفر هو وزوجته وابنه لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية بصفة مستمرة دون أي صعوبات وعقبات.