في تقديرين إستراتيجيين متتاليين، حذر معهدان للبحث الإسرائيلي في الأيام الأخيرة من قرب اشتعال الضفة الغربية، في ضوء التوترات الناجمة عن اعتداءات المستوطنين وانتهاكات جيش الاحتلال، وظهور بوادر من الهجمات الفلسطينية الفردية، فضلا عن بعض المحاولات المنظمة التي يتم إجهاضها باكرا من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية والاحتلال.
فقد أكد معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة (تل أبيب) INSS، ومعهد السياسة والإستراتيجية IPS، في تقييمين سنويين منفصلين صدرا قبل أيام، أن غياب إستراتيجية شاملة في مواجهة تقوي المقاومة في الضفة الغربية، يعني أن تستفيد من حالة الضعف التي تمر بها السلطة الفلسطينية، وتعزيز موقعها في الساحة الفلسطينية، من خلال التحريض على العمليات، واستقطاب المزيد من الفلسطينيين إلى صفوفها، في محاولة منها لتطوير البنية التحتية المسلحة فيها.
في الوقت ذاته، تبدي الأوساط الأمنية الإسرائيلية حالة من القلق من تطورات الضفة الغربية، ولا سيما على صعيد استمرار الهجمات المسلحة ضدها، ما يستدعي الحفاظ على ما تسميه "المصلحة المشتركة" مع السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة بعدم الانجرار للتصعيد.
ذات التقريرين الإسرائيليين يعترفان، وإن بلغتين مختلفتين، بأن الاحتلال لا يقوم بصياغة إستراتيجية أمنية شاملة لمواجهة التحديات المعقدة، خاصة داخل الضفة الغربية، الأمر الذي يعني أن يكون الوضع الأمني فيها على وشك الغليان، سواء بسبب ضعف السلطة الفلسطينية، أو وحدة فصائل المقاومة، أو مظاهرات الشوارع، ورغم أن ذلك الوضع لا يزال تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام، والتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، لكن الأخيرة تضعف، وقد تصبح غير فعالة.
يتزامن ذلك مع عدم استقرار الهدوء في قطاع غزة بين المقاومة والاحتلال، ما يجعل الحديث "مشروعا" عن وضع المقاومة في الضفة الغربية، التي تعاني وضعا مزدوجا من الملاحقات والمطاردات، المزدوجة للأسف: فلسطينيا وإسرائيليا.
علماً بأن المصادر العسكرية الإسرائيلية تكثر في الآونة الأخيرة من الكشف عن تهريب كميات وافرة من الأسلحة المختلفة لمناطق في الضفة، تحضيرا على ما يبدو لجولة جديدة من المقاومة، وزعمت أن قوى المقاومة في غزة دأبت على نقل خبراتها العسكرية للضفة الغربية، وتمكنت بعض خلاياها من تنفيذ عدد من العمليات، أهمها إطلاق النار ضد سيارات المستوطنين، وزرع عبوات ناسفة باتجاه حافلات إسرائيلية، والتخطيط لخطف الجنود وأسلحتهم، وجمع معلومات حول أماكن إسرائيلية بغرض تنفيذ عمليات فيها.
وفيما تبدي المقاومة في غزة ما يمكن تسميته تكيفا واضحا مع الوضع الجديد باستخدام تكتيكات عسكرية وأمنية متعددة، ترهق الاحتلال، ولو على نار هادئة، فإنها لجأت لعدد من الأساليب التي بإمكان المقاومة في الضفة الغربية أن تحذو حذوها للهدف ذاته، وإن بطرائق مختلفة عن غزة!