يشكل النقب قرابة نصف مساحة فلسطين التاريخية بمساحة تصل إلى نحو 14 ألف كيلو متر مربع، وفعليا يعيش الفلسطينيون اليوم على مساحة تقدر بـ 400 ألف دونم من أراضي النقب، وهذا ما يعادل 3% من هذه المساحة، لكن الاحتلال يحاول قضم مزيد من الأراضي وصولا للسيطرة على كامل المنطقة، وذلك دون أي اعتبار لكل الدعوات والمطالبات وحتى الاحتجاجات المطالبة بوقف هذ العدوان المستمر؛ لأن الاحتلال يدرك بأن تعداد السكان الحالي الذي وصل إلى أكثر من 300.000 ألف نسمة يشكل خطرًا حقيقيًّا على مشروعه وتهديدًا ديموغرافيًّا كارثيًّا.
لذلك فإن الإجراءات العدوانية الحالية هي محاولة لتدمير ما يقارب 40 قرية بدوية يقطنها ما يقارب 40 ألف نسمة، وذلك بحجة تنظيم وضع القرى العربية، من خلال حصر أهالي القرى في تجمعات سكانية جديدة مختلفة تماما عن الواقع الحالي، لكن في الحقيقة فإن الهدف المركزي هو السيطرة على أكبر قدر من هذه المساحة لتنفيذ مشاريع عدة منها: (مصانع، سكك حديد، قواعد عسكرية وغيره من المشروعات الأخرى).
ولو استعرضنا المشروع الذي أُقِر في عام 2013 في الكنيست، والذي أطلق عليه "مخطط برافر_بيغن" والذي هدف إلى السيطرة على 850 ألف دونم من أراضي النقب، وأدى طرحه في حينه إلى موجة من الغضب والاحتجاجات العارمة في أراضي الـ 48، وأسفر ذلك عن مواجهة مباشرة مع الاحتلال؛ الأمر الذي أدى إلى إسقاط المشروع ومنع تنفيذه، ليعود مجددا هذه الأيام لتنفيذ هذا المشروع تحت مبررات جديدة، وضمن سياسة مختلفة من خلال تجزيء هذا المخطط الشامل إلى عدة مخططات صغيرة مغلفة باعتبارات قانونية وتنظيمية يسوقها الاحتلال، لكنه في الحقيقة يعيد وبشكل حقيقي تنفيذ مشروع أو "مخطط برافر_بيغن".
حيث يسارع الاحتلال حاليا في تنفيذ مشروع التشجير (تحريش الصحراء) والذي بدأ في السنوات الأخيرة، وكان يستهدف أطراف النقب شمالا وجنوبا ومؤخرا امتد المشروع إلى التشجير في قرى النقب العربية ليخترق ما تبقى من الأراضي الزراعية في القرى مسلوبة الاعتراف بهدف السيطرة الكاملة عليها، وذلك لتعزيز حضوره ودعم مشاريعه الاستيطانية ومنع الفلسطينيين من حق الانتفاع أو الوجود فيها وحصر وجودهم في أضيق وأصغر بقعة جغرافية.
وتظهر أهداف الاحتلال المباشرة والتي نلخصها في عدة نقاط إلى 1_عزل النقب عن محيطها العربي والتضييق على السكان وتغيير هوية المنطقة، 2_استثمار تلك المناطق وتعزيز الحضور الاستيطاني والاستفادة من تلك الأراضي من نواحٍ اقتصادية، 3_تعزيز الوجود العسكري وإحكام السيطرة من خلال المواقع والمراكز العسكرية التي يتم إنشاءها لخصوصية تلك المنطقة من النواحي الأمنية خصوصا مع مصر والأردن، 4_إفساح المجال أمام تنفيذ مشاريع كبرى منها مخطط السكة الحديد.
وقد كانت أبرز القرى التي استُهدِفت في بئر السبع: "الرويس، بير الحمام، الزرنوق، سعوة، بير هداي، خربة الوطن، وقرى الأطرش"، لكن الأهالي في تلك المناطق لم يستسلموا لإجراءات الاحتلال العدوانية وانخرطوا في مواجهة مباشرة على الرغم من التهديد والملاحقة والاعتداءات الوحشية، وما زالوا يرفضون أي تغيير يطرأ في مناطقهم، وصعدوا من حدة المواجهة ورفضوا أي عروض تطرح عليهم متمسكين بأرضهم في مواجهة كل أشكال العدوان.
لكن ما يجري حاليا وبلا شك شكل فرصة إضافية لتوحيد الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس والـ 48 خلف أهلنا في النقب، فقد سادت حالة من التفاعل والتضامن والمساندة لحالة المواجهة القائمة في النقب، وذلك تعزيزا لصمودهم ورفضا لكل أشكال العدوان، وفي الوقت ذاته أثبتت بأن هذا الاحتلال لا يمكن أن يتوقف عن عدوانه، وأن مشاريعه الاستعمارية لن تتوقف إلا من خلال فتح مواجهة شاملة في كل المناطق.
وأن لغة الاستجداء لن تفيد في منع أو وقف هذه المشاريع، خصوصا بعد تخاذل أصحاب مشروع التسوية عن القيام بأي دور وطني يمكن أن يوقف الهجمة العدوانية الإسرائيلية، لذلك فإن التعويل فقط على استمرار المواجهة وتحشيد كل الطاقات لتعزيز صمودهم لتكون مهمة العدو شاقة وخطرة أمام استعداد الفلسطينيين والتفافهم خلف أهالي النقب.