فلسطين أون لاين

هكذا عاش "الشيخ جراح" ليلة دامية

تقرير منزل "صالحية".. الاحتلال لن يهدم صورة "البطل"!

...
القدس المحتلة– غزة/ يحيى اليعقوبي:

باب ثلاجة يخبئ خلفه ذكريات عائلة مقدسية، ملتصقة عليه صور لطفل بشعر أصفر كثيف وملتوٍ يبتسم بجانب والده، ويتوسط صورًا أخرى عديدةً ملتصقة على الباب تخبرك عن حياة سعيدةٍ عاشتها عائلة المقدسي محمود صالحية، هو ما تبقى من حجارة المنزل الذي هدمه الاحتلال الإسرائيلي ليبقى شاهدًا على أحلامٍ وذكريات قبرت.

رفض "صالحية" قرار الهدم ورفع راية المواجهة في وجه الاحتلال وقراراته الجائرة بتهجير أبناء حي "الشيخ جراح" شرقي القدس المحتلة، اعتصم فوق سطح منزله رفضًا لقرار الاحتلال إخلاءه، وقال مستصرخًا أبناء شعبه "من يخرج من بيته فهو خائن".

بين جنح الظلام اقتحمت قوات إسرائيلية كبيرة حي "الشيخ جراح" وأحكمت قبضتها على المنزل، تشبث محمود صالحية بمنزله محاولًا إبعاد بندقية جنود الاحتلال الموجهة نحوه بضوء "ليزر"، ووضعه في دائرة الاستهداف.

تروي قصة صالحية حكاية أرضٍ وشعب تحمل وجع التهجير وآلام النكبة وما زال صابرًا صامدًا متحديًا، أما هؤلاء الجنود فيتوارثون غطرسة وفاشية ترعاها حكومة الاحتلال، صالحية تمسك بحقه المتجذر بأرضه وبيته ومنزله وذكريات سرعان ما نثرها هؤلاء الجنود بين الحطام.

فصول التهجير

لم يتخيل صالحية أن يرى بيته الذي آواه طوال سنوات طويلة وورثه عن والده يهدم أمام ناظريه، على حين أشهرت دولة الاحتلال جبروتها على تلك العائلة وما زالت آلة الهدم تكتب فصول التهجير لأبناء الشعب الفلسطيني.

الثالثة فجرًا، أصوات استغاثة تصل إلى مسامع صالح ذياب وهو أحد جيران عائلة صالحية "الحقوا.. قوات الاحتلال هجموا!"، خرج من بيته يحاول التضامن مع جيرانه ليجد نفسه أمام جيش كامل مدجج بالأسلحة وكأنه في "ساحة حرب" هكذا وصف المشهد.

"كنت عندهم طوال الليل، طلبوا مني فرشات وأغطية نظرًا لوجود متضامنين أجانب معهم، وعندما أحضرتها لهم، وفي أثناء عودتي صادرت قوات الاحتلال وثيقتي الشخصية ومركبتي"، يشق القهر طريقًا في صوته راويًا لـ"فلسطين أون لاين": "المشهد عبارة عن نكبة و"إرهاب" دولة، رأيت أكثر من 500 شرطي وجندي اقتحموا حي "الشيخ جراح" وحولوه منطقة عسكرية مغلقة، ومنعوا أهالي الحي من الخروج والتحرك وكذلك منعوا أي شخص من الدخول من الخارج".

ما زال يروي ما جرى "ألقوا قنابل صوتية، وانهالوا على الموجودين بالمنزل بالضرب والاعتداء البشع، كان المشهدُ "رهيبًا" ومرعبًا، بعدما باغتوا محمود وأولاده واعتقلوهم، لكنه ظل متشبثًا بمنزله رغم الضرب الذي تعرض له يرفض الخروج، فاعتقلوه، واقتادوا أكثر من 25 شخصًا بينهم متضامنون أجانب لمراكز التحقيق".

حضرت الجرافات وبواقر الهدم بعدما أصبح البيتُ خاليًا من ساكنيه، استفردت الآليات به وغرست مخالبها بحجارته وساوته بالأرض، يعد صالح ما حدث انتقامًا شخصيًّا من قبل الاحتلال "لمحمود وعائلته لكونه صعد على سطح منزله وأسمع العالم صرخته".

تاريخ متوارث

رغم أن محكمة الاحتلال العليا بحسب المحامي وليد تايه أصدرت قرارًا بعدم إخلاء البيت، وهو ما يتناقض مع قرار محكمة الاحتلال المركزية التي أمرت بإخلاء البيت، إلا أن حكومة الاحتلال فاقت القضاء الإسرائيلي إجراما وهدمت البيت متجاوزة القرارات القضائية.

وعدَّ تايه في حديث لـ"فلسطين أون لاين" ما جرى عملية "تطهير عرقي"، مستنكرًا قيام عضو الكنيست المتطرف "إيتمار بن جفير" بإقامة احتفالًا على أنقاض البيت وشرب "الكحول" ابتهاجًا بتشريد عائلة صالحية.

وأضاف: "منزل صالحية الذي شيد عام 1925 يفوق عمره وجود الاحتلال على أرض فلسطين، حتى قوانين الاحتلال تمنع هدم أي أماكن أثرية تصادر من الشعب الفلسطيني، لكن الاحتلال أراد توجيه رسالة لكل العرب أنه "لا يقيم وزنًا لأحد".

صالح ذياب، الذي عاصر بدايات وجود عائلة صالحية بحي "الشيخ جراح" يرد على ادعاء الاحتلال بعدم ملكية العائلة للبيت قائلًا: "لقد رأيت كل الأوراق التي تناقض مزاعم الاحتلال، من بينها فواتير مياه تعود لعام 1959 دفعها والد محمود للحكومة الأردنية".

وأضاف ذياب لـ"فلسطين أون لاين": "ما يجري تهجير قسري ونكبة ثانية، يريدون إنشاء مدرسة دينية للمتطرفين على أنقاضه، ومن ثم الاستيلاء على باقي الحي لإنشاء مستوطنتين".

ولفت إلى أن الاحتلال افتتح كنيسًا قبالة منزل صالحية عام 2019، وصادر 25 دونمًا من حي المفتي لإنشاء ملاعب عليه، نظرًا لأهمية موقع المنزل الإستراتيجي القريب من قنصليات دول عديدة موجودة بالمكان.

وهدم منزل صالحية يضاف إلى 187 جريمة هدم في مدينة القدس خلال 2021، من بينها 115 منشأة هدمت قسرًا بأيدي أصحابها، بحسب إحصائية لمركز معلومات وادي حلوة.