فلسطين أون لاين

العدوان الإسرائيلي على النقب استمرار لعنصرية ممنهجة

 

يصعب على أحدنا النظر لما تشهده صحراء النقب في الأيام الأخيرة من حرب شعواء تشنها المؤسسة الاحتلالية بمختلف مسمياتها، بمعزل عن السياسة الإسرائيلية القديمة الجديدة الساعية نحو تهويد النقب، وإجبار أهله، أصحاب الأرض الأصليين على الرحيل عنه، ومغادرته قسرًا، مقابل إحلال المستوطنين بدلًا منهم.

إن العدوان الإسرائيلي الجاري على النقب وأهلها ينطلق من رؤية إسرائيلية غاية في التطرف لمستقبل فلسطينيي الـ48 عمومًا، وبدو النقب خصوصًا، من خلال ما يطرح من اعتبارات قومية ودينية وسياسية وديموغرافية، ولا سيما أن جملة من الخبراء والباحثين الإسرائيليين العنصرين دأبوا في السنوات الأخيرة على "الهمس" في آذان كثيرين من متخذي القرارات، محذرين مما سموه "المخاطر" المتزايدة لهذه الفئة السكانية على ما يصفونها بـ"الدولة اليهودية".

أكثر من ذلك، فقد ابتدع العنصريون الإسرائيليون مسمى جديدًا لفلسطيني الـ48، وبدو النقب على وده الخصوص، في عالم السياسة الإسرائيلية بقوله إنهم حالة متميزة، فالحديث يدور عن "أقلية ذات عقلية أكثرية، إزاء أكثرية يهودية ذات عقلية أقلية"!

مع العلم أنه حتى بعد الانفصال الكامل عن الفلسطينيين في المستقبل، في حال تم ذلك فعلا عبر حل سياسي متفق عليه، أو خطوة إسرائيلية أحادية، فما زال موضوع واحد يصفونه بـ"المركزي والأليم والأكثر نزفًا"، وهم فلسطينيو الـ48 وبدو النقب، ما دفعوهم لأن يتحولوا خلال سنين قليلة إلى "آلة جمع معلومات مطورة"، وما تزال غرف عملهم مليئة بصناديق فوق صناديق مملوءة بوثائق تتعلق بهم، وكل درج مشحون بمادة عن واحدة من قضاياهم، فكل كلمة نشرت في الصحف الإسرائيلية والعالمية، وكل خطبة كنيست، وجميع الوثائق التلفزيونية الخاصة بهم باتت متوفرة في مكتباتهم الشخصية.

لعل حجم وحدة الحملة الإسرائيلية على صحراء النقب تعود في جذورها إلى حالة التهميش والإهمال التي واجهها البدو فيها من ناحية عدم تقديم الخدمات اليومية والظروف الحياتية، بزعم أنهم غير مستعدين لقبول حل أقل مما يُرى انتحارًا لـ(إسرائيل)، ما يعني أن لديهم "رفضًا خالصًا" لدولة الشعب اليهودي، لأنهم جزء أخذ يكبر في المجتمع الإسرائيلي، وتبدي المحافل الإسرائيلية شكوكها في القدرة على إدخالهم تحت "جناحي" هذا المجتمع، لأنهم باتوا يشكلون "أعداء الدولة اليهودية"، وبالتالي فهم يشكلون معضلة أمامها، لأنهم يسعون إلى سلب (إسرائيل) شرعيتها، كما يقول.

بغض النظر عما يطرحه المتطرفون الإسرائيليون من آراء عنصرية تجاه فلسطينيي الـ48 وبدو النقب، فإن لديهم قناعة متزايدة، يحاولون من خلالها تبرير العدوان الجاري حاليا بأن هؤلاء الفلسطينيين والبدو إنما يسعون لـ"خراب" المشروع اليهودي، ما يشير إلى أن الصراع في حقيقته ليس عرقيًّا، بل قوميًّا، لأن الشعبين يتصارعان على فلسطين، وفلسطينيو الـ48 يؤكدون أنهم شعب مستقل، ولهذا يرفضون فكرة "الأسرلة".