جاءت اللقاءات الإسرائيلية الأردنية الأخيرة وصلًا لانقطاع سياسي، أو هكذا يظهر علانية، لعلاقاتهما، ووصولها في الفترة الأخيرة مرحلة الذروة، خاصة أواخر حقبة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، بعد قناعات سادت القصر الملكي أن تلك الحكومة معنية باستغلال كثير من الأحداث الداخلية في المملكة، والدائرة في المنطقة، لتحويل الأردن لدولة فلسطينية، رغم استمرار تنسيقهما الأمني.
في الوقت ذاته، وهذه نقطة مهمة جدًّا، فإن لقاءات الملك الأخيرة مع قادة الاحتلال، جاءت عقب قطيعة سياسية بينهما، وسط متابعة إسرائيلية متزايدة في الآونة الأخيرة للأوضاع الداخلية مع الأردن، والخوف من تعرضه لاهتزازات قوية، تكون لها امتدادات ستطال (إسرائيل) وأمنها، برصدها لعدة تعبيرات لهذا القلق المتصاعد والمتزايد داخل أروقة صنع القرار الإسرائيلي، حتى أن وزارتي الحرب والخارجية، وعلى ضوء تصفحهما لتقارير استخباراتية، تتابعان باهتمام كبير تطورات المملكة.
مع أن ما قد يعرض علاقاتهما الثنائية للخطر الفعلي أن غالبية الأطراف السياسية الأردنية: الإسلامية والليبرالية والعلمانية، وصولًا إلى العشائرية، تعد اتفاق وادي عربة مع الاحتلال، "الخطيئة الكبرى" للعائلة المالكة، وظهور الأردن كما لو كان أحد الحلفاء الحقيقيين للاحتلال في المنطقة، ما دفع لنشوء "استنفار" للقيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة لمتابعة تطورات الأردن، وما تشكله من خطورة وحساسية لأمن تل أبيب، في حالة حدوث أي تغيير فيها وحولها، ما دفع صناع القرار فيها لاستدعاء قادة الاستخبارات والجيش للاستفسار منهم عن التداعيات الناتجة عن ذلك.
هناك جملة تفوق المخاطر المؤثرة سلبًا على العلاقات الإسرائيلية الأردنية، خاصة قرب حدود المملكة وطولها، وتمتد 600 كيلومتر، ما أحيا مخاوف إسرائيلية قديمة من نشوء ما سميت آنذاك "الجبهة الشرقية"، وهواجس أردنية مقابلة من استمرار الحديث الإسرائيلي عن "الوطن البديل"، والتصرف بشرقي القدس دون التشاور مع المملكة، ورغم أن هذه الأحداث في مجموعها لم توجه ضدها بالأساس، لكن تداعياتها وضعتها في مواقف محرجة، داخليًّا وخارجيًّا.
في الوقت ذاته، فإن اللقاءات الإسرائيلية الأردنية الأخيرة ربما تأتي لتفنيد انطباع مفاده أن الاحتلال تخلى عن "الاستثمار" في المملكة بعد ضمانه الهدوء من "الجبهة الشرقية"، بعد أن شكل الغزو الأمريكي للعراق، واتفاق وادي عربة واقعًا جديدًا من ناحيتها، أسقط تهديد هذه الجبهة، مع بقاء تل أبيب ضاغطة على واشنطن بدعم عمان بـ350 مليون دولار سنويًّا، عبر أدى دورًا مهمًّا في إقناع الكونغرس بنقل هذا العون دون انقطاع، فضلا عن اتفاق "الماء مقابل الكهرباء"، الذي أسهم بتطوير العلاقات الثنائية في المجالين الأمني والاقتصادي، ومشاريع الغاز والزراعة والغذاء والماء.