على مدار الأسبوع كله، سطّر أهالي قرية سعوة البدوية، من قرى بئر السبع، صفحات جديدة في سجل رباطهم على أراضيهم في النقب، على غرار ما تبقى من أهلنا في النقب بعد النكبة.
وكشفت اعتداءات الشرطة الإسرائيلية على المتظاهرين، على مرّ الأسبوع، حجم وقسوة معركة البقاء على الأرض في الوطن، في مواجهة دولة لا تنخدع بمعسول كلام من يحابيها من العرب، ولا من يُقر لها بيهوديتها، ويجزم أنها ستبقى يهودية، كأنه يملك مفاتيح علم الغيب.
وقد أكدت وحشية الاعتداءات، واستخدام شرطة دولة الاحتلال، الطائرات المسيرة، للمرة الأولى كما نعلم داخل حدودها، لقذف المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع، أن الدولة الإسرائيلية لا تنظر إلى العربي ما دام يرفض الاستكانة لها، إلا من منظور العداء السافر.
كيف لا وهو، وخصوصًا أهلنا في النقب، الشاهد الحي على استمرار فصول النكبة والتهجير. لكنه أيضًا الشاهد الحي على فشل القوة مهما كانت عارية وسافرة، في إخضاع صاحب الحق، وإن كان أعزل لا يتسلح إلا بالحق والقناعة الأصيلة بقوة الحق.
هجَّرت (إسرائيل) منذ النكبة عشرات القبائل والعشائر البدوية من النقب، ورحّلتها بقوة الحرب شرقًا باتجاه الضفة الغربية، وجنوبًا باتجاه شبه جزيرة سيناء. ولم يبقَ بعد النكبة على أرض النقب سوى 13 ألف فلسطيني تقريبًا. لكنهم وقد باتوا يزيدون اليوم على أكثر من 250 ألف فلسطيني في النقب، يؤكدون برباطهم وثباتهم على الأرض، ورفض المقايضة والمساومة، أن صاحب الوطن يبقى أقوى من المعتدي، الذي طرد وهجّر وحاصر أهل النقب حتى يومنا هذا، في بقعة لا تزيد عن 2 إلى 3 في المئة من مجمل أراضيهم الأصلية.
لكن أهل النقب لم يستكينوا، ولم يضعفوا، كشأن باقي أهل الداخل الفلسطيني، وإن ظلوا مجرد كف، إلا أنهم لاطموا، ولا يزالون يلاطمون، المخرز الإسرائيلي، في معركة بقاء يعلمون أنها، بين فر وكر، طويلة لا تنتهي إلا بالثبات على الحق لضمان البقاء.
انتهت جولة أولى هذا الأسبوع من جولات قادمة، تخطط لها حكومة الاحتلال تحت مسمى تحريش أراضي النقب، "القاحلة" وفق الزعم الإسرائيلي التقليدي والكاذب. لكن شجرات الزيتون، التي أطلت فروعها المتعطشة للماء في سعوة، تبقى شاهدًا آخر على أكاذيب الحركة الصهيونية، فيما يظل أطفال سعوة، تحت ظلها، شهودًا على بقاء الشعب الأصيل على أرضه، من أقصى الجنوب في النقب إلى أعالي الجليل.