لا تزال مخططات تدنيس المسجد الأقصى المبارك وتهويد مدينة القدس المحتلة، جارية على قدم وساق في ظل تشاغل العالم برمته، والعالم العربي والإسلامي تحديداً بقضايا أقل أهمية تصل أحياناً إلى الهامشية. فبعد ما جرى التوصل إلى اتفاق «مخطط الحائط الغربي» عام 2016، الذي بموجبه يُبنى جناح صلاة تعددية دائم ورسمي في الحائط الغربي (خلافاً للمنطقة المؤقتة في الوقت الحالي)، قررت الحكومة الإسرائيلية أخيراً، عدم التصديق عليه (على المخطط)، وبالتالي سيظل الوضع القائم في باحات الحائط، يقضي بمنع النساء أن يمارسن في الجزء المعدّ لهن طقوساً دينية يهودية معنية، تُعَدّ خاصة بالرجال من وجهة نظر التيار الأرثوذكسي المتشدد.
وعلى ما يبدو، فإن أزمة الحائط الغربي لم تنحصر في حدود البيت الداخلي الإسرائيلي، بل وصل الحد بالجالية اليهودية في أميركا إلى أن تصف ما حدث بأنه «جريمة تدفيع الثمن»، مشيرةً إلى أن عدم التصديق على المخطط هو «إسهام من قبل الحكومة الإسرائيلية في تعميق الشرخ بين (إسرائيل) ويهود العالم». كذلك نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر في الجالية قولها إنها «تدرس إمكانية تقديم الالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية للطعن في القرار".
أمّا رئيس الحركة الإصلاحية في أميركا، الحاخام ريتشارد جاكوبس، الذي وصل إلى تل أبيب في زيارة طارئة للقاء نتنياهو، فرأى أن القرار الذي اتخذته الحكومة "يشكّل صفعة على وجه كلّ من التيارين اليهوديين المتدينين الكبيرين في الولايات المتحدة".
التطور اللافت تمثل بوصول بعثة من منظمة «إيباك» إلى تل أبيب، حيث عقدت اجتماعاً طارئاً مع القيادات الإسرائيلية، بحضور رئيس المنظمة، ليليان بينكوس، ونائب المدير التنفيذي ريتشارد فيشمان، ومسؤولين آخرين. وعلى المستوى الإسرائيلي، شارك كل من نتنياهو، ودرعي، ووزير الجيش أفيغدور ليبرمان، ووزيرة القضاء إيليت شاكيد ووزير التربية، نفتالي بينت.
صحيفة «معاريف» لفتت إلى أن قادة «إيباك» أوصلوا رسالة «مرعبة» للمسؤولين الإسرائيليين، مفادها أنه «إن كنتم تعتقدون أن الموضوع هو مسألة إصلاحيين أو محافظين، فأنتم مخطئون». وأوضحوا أن «القرارات التي اتخذتموها هي بمثابة كارثة استراتيجية، من شأنها أن تقوّض التحالف بين يهود الولايات المتحدة و(إسرائيل). ونوضح، ليس الخطر على العلاقات مع الإصلاحيين، بل على صفقة طائرات الـ(إف 35)". كذلك نقلت عن مسؤولي «إيباك» في الولايات المتحدة قولهم إن «الناس (في أوساط الجالية اليهودية في أميركا) يقولون إنهم لم يعودوا يشعرون بإرادة العمل من أجل (إسرائيل)، ومستوى تماهيهم (لناحية الهوية) مع الدولة اليهودية أصيب في الصميم».
هذه التجاذبات التي من الواضح أنها مفتعلة بغية تبرير خطوات جديدة لحكومة نتنياهو لتبرير التراجع عن أي اتفاق تضعنا امام حجم التلاعب والتزييف الذي تمارسه حكومة نتنياهو وإعلامه المسيس في كل مرة لتبرير التنصل من أي اتفاق يخص مدينة القدس والأماكن المقدسة فيها ولا سيما المسجد الأقصى.
انعكاس هذا السجال الموهوم برز بسرعة، إذ أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، المسجد الأقصى أمام المصلين المسلمين، في وقت سهلت اقتحامات المستوطنين، بقيادة قائد شرطة الاحتلال في القدس يورم ليفي، مع كبار المتطرفين، وضباط الاحتلال للأقصى.
وفرضت شرطة الاحتلال إجراءات مشددة على دخول المصلين، واحتجزت بطاقاتهم الشخصية على بوابات المسجد، ومنعت دخول مَنْ تقل أعمارهم عن أربعين عاماً، قبل قرارها بمنع دخول المصلين بشكل تام إلى المسجد، تزامناً مع اقتحامات واسعة يقودها قائد شرطة الاحتلال في القدس، ترافقه والدة مستوطنة قتيلة، إحياء لذكراها السنوية.
وجاءت هذه الاقتحامات بناءً على دعوة ما تسمى منظمات «الهيكل المزعوم»، ووزير الزراعة بحكومة الاحتلال المتطرف «أوري أرائيل»، لجمهور المستوطنين بالمشاركة الواسعة في اقتحامات جماعية للمسجد الأقصى، إحياء لذكرى مقتل المستوطنة هيليل أرائيل، التي قتلت العام الماضي بإحدى مستوطنات الخليل.
محاولات التهويد المستمرة لامست حتى الأسماء الشهيرة للأماكن المقدسة في القدس المحتلة، إذ ندد خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا، بإطلاق وزير الزراعة الصهيوني أوري أرائيل، في تسجيل مصور نشره عبر صفحته على فيسبوك اسمًا عبريًّا (باب هيليل) على باب المغاربة في القدس المحتلة.
وقال صبري، إن أطماع اليهود في المسجد الأقصى لا تقف عند حد معين، مؤكدا أن ما حصل من محاولة أحد المسؤولين الصهاينة تغيير اسم باب المغاربة لاسم عبري يؤكد الأطماع التي تتوالى وتتضاعف في هذه الأيام بحق الأقصى.
تدنيس المسجد الأقصى وتغيير معالمه الحضارية التاريخية، يؤكد هذه الغطرسة الصهيونية الاحتلالية ويعكس أطماعهم، ولكن لن يكسبهم (الصهاينة) أي حق في هذا المسجد مهما طال الزمان وتعددت الأطماع. وحكومة الاحتلال تتحمل مسؤولية أي انفجار محتمل في المنطقة المحتقنة أصلاً لأن المسؤولين الصهاينة هم الذين يدعمون متطرفيهم الذين يقترحون هذه التغييرات، فيما يقف الفلسطينيون مكشوفي الظهر وعاري الأيادي أمام التغول الإسرائيلي المتنامي.