فلسطين أون لاين

بـ"قشر البيض".. الشاب "جندية" يُخلّص المياه من النترات بنسبة تفوق 90%

...
غزة/ صفاء عاشور:

لم يكن يخطر ببال الطالب أحمد جندية الذي يضع اللمسات النهائية على رسالة الماجستير الخاصة به بأنه من الممكن أن يكون سبباً في التوصل إلى حلٍّ لمشكلة وجود أيون النترات، الذي يسبب مشاكل صحية، في المياه.

ففي ظل بحثه عن طريقة للتخلص من النترات الموجودة بمعدلات فوق المسموح بها عالمياً بخمسة أضعاف، تمكن جندية بإشراف الأستاذ الدكتور نظام الأشقر من التوصل إلى حل نهائي وناجح بنسبة تفوق 90% للتخلص من النترات من المياه الملوثة به.

وتُعد مشكلة المياه من أكثر المشاكل التي عانى منها قطاع غزة على مدار السنوات العشر الماضية، فالحصار الذي يفرضه الاحتلال تسبب في تدهور وضع المياه إلى حال دفع الأمم المتحدة إلى القول بأنه مع عام 2020 لن يكون هناك حياة في القطاع.

وأكدت بلديات قطاع غزة مرارًا، أنها تبذل جهودا حثيثة لإنهاء مشكلة تلوث المياه، رغم استمرار الحصار منذ 13 سنة.

ويقول جندية: "هناك ثلاثة أسباب أدت لارتفاع أيون النترات في الآبار الجوفية، أولها: استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية في الزراعة بشكل مفرط، مما أدى إلى ترسيبها في الخزان الجوفي واختلاطها مع المياه".

وحسبما يقول لصحيفة "فلسطين"، فإن السبب الثاني: هو اختلاط المياه العادمة بالمياه الجوفية، فيما السبب الآخر تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية.

وبين جندية أن وجود النترات بالماء يسبب ازرقاق الطفل الذي يؤدي إلى الموت إذا زاد عن نسبته بشكل كبير، حيث يدخل هذا الأيون لجسم الطفل الرضيع من خلال الحليب الصناعي أو عبر حليب الأم مما يسبب له نقصان الأكسجين في الجسم بالتالي ازراق لونه وموته إذا لم يُعالج بسرعة، كما أنه أحد مسببات مرض السرطان.

بدء العمل

وللأسباب السابقة أراد أن يكتشف حلاً للمساهمة في علاج المياه من أخطر العناصر الملوثة لها والمسببة للأمراض، لذا ساهم وشارك في تجارب على بذور ونباتات كان من شأنها امتصاص النترات بشكل كبير.

وينبه جندية إلى أن الشهور التسع الأولى من البحث لم تنجح خلالها أي تجربة تمكنهم من تحقيق الهدف الذي يسعون وراءه فوصل إلى مرحلة قريبة من اليأس، حتى جاء المشرف الخاص به بعينة بيضاء للعمل بها ورؤية النتيجة بعدها دون أخباره بماهية العينة.

ويشير إلى أنه بعد متابعة العينة وملاحظة النتائج المذهلة لها زاد اندهاشه عندما علم أن العينة ما هي إلا مجرد قشور بيض تمت معالجتها بطريقة خاصة تمكنها من التفاعل وإنجاح التجربة بشكل أسرع وأكثر فعالية.

ويقول جندية: إن "التجربة الأولى لقشور البيض تمكنت من نزع أيون النترات من الماء الملوث بها خلال خمسة أيام، إلا أنه بعد تحسين العينة بالطرق المخبرية وصلنا إلى قدرة لإزالة النترات خلال فترة لا تتجاوز 24 ساعة فقط وبنسبة تصل إلى 95%".

ويضيف : "تم تجربة قشور البيض على أكثر من عينة من الماء الذي تم جلبه من آبار مختلفة في أماكن متفرقة في القطاع، وجميع التجارب نجحت بنسبة عالية وتمكنا من نزع النترات منها"، مشدداً على أن الثمن المنخفض للمادة المستخدمة في هذه العملية يشجع على تطوير العمل بها لتطبيقها عمليا على أرض الواقع.

إشراف ودعم

الأستاذ الدكتور في تخصص الكيمياء التحليلية في الجامعة الإسلامية د. نظام الأشقر يذكر أن عمله على مدار السنوات الماضية في إزالة الملوثات بشتى أنواعها من المياه جعله يجرب الكثير من المواد والنباتات والبذور التي يمكن أن يكون لها دور في امتصاص الملوثات.

ويقول المشرف على البحث، في حديث مع صحيفة "فلسطين": إن "إزالة الملوثات من المياه والتربة يتم بطرق متعددة منها: الطرق الكيميائية، الكهربائية، الضغط الأسموزي، تكنولوجيا النانو والطرق الحيوية، ورغم كفاءة الطرق السابقة إلا احتياجاتها من الطاقة مرتفع الثمن ولا يتناسب مع وضع قطاع غزة".

ويضيف الأشقر:" لذلك كان هناك توجه لبدائل حيوية موجودة في الطبيعة، ومنها استخدام قشر البيض في إزالة العديد من الملوثات وهو أمر معمول به عالمياً، وبالفعل بدأنا تجريب قشر البيض في الأبحاث الخاصة ببحث الطالب جندية".

ويفيد أن قشر البيض عبارة عن تركيبة كيميائية طبيعية لها خصائص تؤهلها لإزالة الملوثات، وأهم هذه الخصائص أن القشرة قاعدية ومسامية وإذا عولجت في ظروف معينة تزيد من إمكانياتها لسحب العديد من الملوثات.

ويردف الأشقر: "عند التجربة في اليوم الأول حتى الخامس لوحظ اختفاء للنترات من عينة الماء بشكل كامل، وهو أمر لم نصدقه في البداية حتى أعدنا التجربة عدة مرات حتى تأكدنا من فاعلية قشر البيض".

ويوضح أنه  بعد تحسين الظروف وإحاطة قشر البيض بعد معالجتها بطرق معينة تحسنت نتائج الإزالة وتقلصت الفترة من خمسة أيام حتى أقل من 24 ساعة، لافتاً إلى أن العينة بعد التخلص من النترات منها يمكن إعادة استخدامها لأكثر من ثلاث مرات.

ويشير الأشقر إلى أن نجاح التجربة مهد إلى التواصل والمشاركة في عدد من المسابقات الدولية والعربية للحصول على تمويل ودعم للمشروع لتطبيقه فعليا على أرض الواقع.

ويبين أنّ جندية وفريقه المكون من ثلاثة زملاء هم صلاح الصادي، محمود الهندي وإسراء فروانة تمكنوا من النجاح وحصولهم على المراكز الأولى في المسابقات، بالإضافة إلى احتضان المشروع، مستدركا:" إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع إدخال الآلات والقطع اللازمة من أجل تطبيق المشروع على أرض الواقع".

ويسعى جندية مع فريقه لإنتاج منتج متكامل لعملية سحب ممتازة من خلال انتاج نظام فلتر طبيعي يُستخدم بكل سهولة من قبل الجهات الحكومية المعنية بالمياه والبيئة الفلسطينية.