90 دقيقة تستغرق الطالبة سارة غروز في مرحلة الثانوية لكي تصل إلى مدرستها الواقعة في منطقة بيت حنينا الصناعية، بسبب الطرق الالتفافية التي يجبر الاحتلال الإسرائيلي سائقي الحافلات الفلسطينية على عبورها.

ففي طريقها إلى المدرسة تمر غروز عبر حاجز "كينيون عطروت"، والذي كثيرًا ما يغلقه جنود الاحتلال في وجوه الطلبة ما يمنعهم من الوصول إلى المدرسة في الوقت المحدد.

تقول لصحيفة "فلسطين": "عدا عن ذلك يتعمد الجنود التضييق علينا وتفتيشنا في الذهاب والإياب، وفي إحدى المرات لم يكن بحوزتي سوى شهادة الميلاد لإثبات شخصيتي، وفتشوني وحقيبتي وقادوني إلى غرفة خاصة حتى يتحققوا من شخصيتي".

اقرأ أيضا: شخصيات مقدسية تطالب بتوفير حماية دولية عاجلة لطلبة القدس

وتشعر غروز بالاستياء للصعوبات التي تواجهها يوميًّا في الوصول إلى مدرستها، من إغلاق الحاجز أو الانتظار عليه لساعات والتفتيش الدقيق الذي يضيف عبئًا إضافيًا، يجعل رحلة الوصول إلى المدرسة تحمل الكثير من التوتر والقلق.

فقبل نومها تحمل عزور همّ الوصول إلى المدرسة، وبمجرد أن تحط أقدامها داخلها تحمل في قلبها العبء ذاته لأجل العودة سالمة إلى البيت، فكثيرًا ما تصل إلى المدرسة متأخرة وتضيع عليها الحصص الأولى وشرح معلماتها.

إغراءات الاحتلال

بينما يقف الطالب محمد سميرات في الصف الحادي عشر والذي يسكن في مدينة كفر عقب، يوميًّا على نقطة التفتيش التي تعد مصيدة لاعتقال بعض الطلبة وافتعال أزمات ومشاكل.

يقول: "في بداية العام الدراسي يخصصون مسلكًا خاصًا لطلبة المدارس وبعد أيام قليلة يتم إغلاقها والعودة إلى ذات المعاناة، فبدلًا من أن تستغرق الطريق نصف ساعة للوصول للمدرسة، تحتاج إلى ضعف الوقت بسبب ممارسات الجنود".

ويضيف سميرات أنه بات غير راغب بمواصلة الذهاب إلى المدرسة، مشيرًا إلى أن الكثير من زملائه تركوا مقاعد الدراسة ولجأوا للعمل بسبب حالة الضغط والتوتر التي يعيشها الطلبة في طريق ذهابهم وعودتهم إلى المدرسة. 

تسرب طلبة ومدرسين

وفي السياق ذاته، تتحدث المعلمة إيناس عيدة والتي تعمل في سلك التعليم منذ 6 سنوات على التوالي، بأن غالبية طلبة منطقة كفر عقب والمخيمات يمرون عبر الحواجز ويتعرضون إلى التفتيش، ومصادرة كتبهم في حال وجدوا شعار السلطة الفلسطينية، أو العلم الفلسطيني، عدا عن النقص في الكتب والتي تصل بصعوبة إلى يد الطالب، "وبين فترة وأخرى يزور مفتشون تابعون لوزارة المعارف الإسرائيلية مدارس الأوقاف ويفتشون عن الكتب التي تحمل مضامين تخالف السياسات التعليمية الإسرائيلية كتدريس المنهاج الفلسطيني الكامل".

تقول المعلمة عيدة " تعمل في إحدى مدارس الأوقاف": "نحرص نحن المدرسين على عدم حمل أي كتب في ذهابنا أو إيابنا يمكن مصادرتها، فهناك ضغط واقع على الطلبة والمعلمين، فمثلًا المدرسة التي أعمل بها محاصرة من 4 أو 5 مدارس جديدة بتخصصات تكنولوجية حديثة لأجل جذب الطلاب المقدسيين، وعزوفهم عن المدارس التابعة للأوقاف".

وتضيف: "الضغط الواقع ليس فقط على الطلبة، بل أيضًا هناك تسرب لمدرسين من مدارس الأوقاف إلى المدارس الإسرائيلية بسبب الوضع المادي الصعب والحياة المعيشية، وعدم وجود أي حقوق للمعلم، وبالتالي إذا لم تضع السلطة الفلسطينية خطة خاصة للتعليم في القدس فسيلحق العملية التعليمة العديد من المخاطر".

وتشير كذلك إلى ضريبة يدفعها المعلم لمشاركته في الفعاليات الوطنية، فبعضهم أُبعد خارج أسوار القدس فينقطع عن عمله، إلى جانب تهديدات أعضاء الكنيست الدائمة للطلبة من حملة شهادات وزارة الأوقاف بأنهم لا يمكنهم الدراسة في الجامعات الإسرائيلية.

فرض حالة خوف

من جهته، يقول الأكاديمي والباحث في شؤون التعليم بالقدس زيد القيق: إن واقع التعليم في القدس اختلف منذ عام 1967، إذ تأثر الطلبة والمدرسين على مدى عقود بسياسات أسرلة للمناهج، "فتخيل أن يبقى المعلم يعيش في جو يترقب في أي لحظة اقتحام المدرسة لكي يتم التفتيش على محتوى حقائب الطلبة هل يمتلك الطالب المنهاج الفلسطيني أم لا؟ هذا هو الأثر حتى اللحظة".

ويضيف: "أما الأثر التربوي، فاعتقد أن حجم الوعي بمدينة القدس أكبر من أن يتم محوه بتُرَّهات يقوم الاحتلال بإدخالها إلى المناهج، إذ يتمتع الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين بوعي كافٍ عن حقيقة القدس وهويتها، ولديهم القدرة على التعامل مع النصوص المحرفة".

ويلفت إلى الطالب الذي يرى شرطة الاحتلال تدنس المسجد الأقصى بقطعان المستوطنين وتحميهم وحالات الاعتقال وهدم البيوت والتي آخرها في جبل المكبر، "كل هذا له دور في تشكيل وعي أكبر مما يعتقد الاحتلال أنه سيشكله من خلال الكتب المحرفة".

ويوضح القيق أن الأمر وصل بسلطات الاحتلال لتفتيش حقائب الطلبة لخلق حالة من الرعب في صفوف الطلبة والمعلمين، ليشاع بأن امتلاك المنهاج الفلسطيني تهمة يحاسب عليها القانون، ودفع الطلبة لعدم حمل الكتب الفلسطينية".

ويشير كذلك إلى أن تعمد تأخير الطلبة والمعلمين عن الوصول إلى مدارسهم يتسبب في تشويش العملية التعليمية، كما أن تعرضهم للتفتيش والانتظار على الحواجز يلحق بهم ضررًا نفسيًا واجتماعيًا بسبب ما يلقوه من إهانة وصراخ إلى جانب التأثير على التحصيل الدراسي للطلبة.

يختم حديثه: "يريد الاحتلال إحداث فجوة معرفية عند الطلبة من خلال وسائل الضغط الميداني على الطالب على الحواجز وفي المدارس لدفعه للعزوف عن الالتحاق بالمدرسة مما سيؤدي إلى انتشار العديد من الظواهر المجتمعية كالتسرب من المدارس، والاتجاه لسوق العمل، والتدخين في صفوف الطلبة".

وتفيد معطيات نشرها رئيس اتحاد أولياء أمور طلاب المدارس في القدس، بأن نسبة التسرب للمرحلتين الإعدادية والثانوية تتراوح ما بين 35-40%.