فلسطين أون لاين

عيون الأمهات تكحلت بتحرر أبنائهم من سجون الاحتلال

تقرير محررون من غزة.. عائلاتهم تعيش فرحتي العيد الأول والإفراج

...
المحرر رمزي عابد
غزة/ يحيى اليعقوبي:

على مدار خمس سنوات كان أبناء الأسير رمزي عابد ومنذ لحظة أسره ينتظرون على أحر من الجمر مرور تلك السنوات، يتحرون هلال والدهم بين كل رمضان وعيد لم يطل عليهم خلالها إلا عبر مكالمة هاتفية من وراء عيون السجانين خلف قضبان الاحتلال، فكانت تمر المناسبات باهتة بلا صوت للفرح.

اعتقل الاحتلال المحرر عابد عام 2017 في أثناء توجهه للمشاركة بمؤتمر علمي دولي عبر حاجز بيت حانون/ إيرز، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، ونال حريته في 3 سبتمبر/ أيلول 2022، ليعيش رمضانه وعيده الأول بعد غياب قسري عن أولاده الأربعة.

الفرحة لا تتسع قلب زوجته وهي تتحدث لصحيفة "فلسطين" عن حضور زوجها بالعيد الأول بينهم قائلة: "السعادة التي رأيتها بعيون أبنائي بتحرر والدهم وسعادتهم بحضوره في رمضان والعيد بعد غيابه فرحة أتمناها لكل عائلة وأبناء أسير، فهي لحظات لا توصف كنا ننتظرها منذ اعتقاله ونعد ونحسب منذ خمس سنوات كم رمضان وعيد متبقٍّ لتحرره؟".

اكتمال الفرح

عادت لملة العائلة من جديد واكتملت مائدة الإفطار بالفرح، لحظات بسيطة جعلها السجن أكبر أماني زوجته وأولاده: "هذه الأشياء بسيطة لكنها جميلة، حرمنا منها فترة طويلة والآن نعيشها بعد حرمان، من الاستيقاظ للسحور والإفطار معًا وصلاة الجماعة والتراويح، والآن أولادي يحضرون أنفسهم لمرافقة والدهم لصلاة العيد وزيارات الأرحام".

تحملت عابد دور الأم والأب في غياب زوجها والتفت العائلة حول أولادها، ومن خلال تلك التجربة أيقنت أن "لا شيء يعوض مكان الأب" مهما حاولت العائلة تعويض غيابه.

لدى المحرر عابد أربعة أولاد (ذكران وشقيقتان) أصغرهم أحمد كان يبلغ من العمر خمس سنوات لحظة اعتقال والده، كان أكثر إخوته تأثرًا بغياب والده، تروي والدته مشاهد من معاناة الانتظار: "كان ينتظر أن تمر السنوات وأن يصبح في الصف الرابع الابتدائي ليجد والده محررًا، ومنذ الإفراج عن والده لا يفارقه ويظل بجانبه طوال الوقت".

وإن كانت العائلة تعيش عيد الفطر، لكن عيدها بدأ يوم تحرر والدهم، يومها ارتدى الأولاد ملابس جديدة، وانتظروا منذ ساعات الصباح إفراج الاحتلال عن والدهم.

 لكن كما عادت الاحتلال في تنغيص فرحة ذوي الأسرى، أخّر الإفراج عنه حتى المساء، يتباطأ المشهد أمام زوجته: "يومها أصبح لدينا شكوك، وسيطرت علينا هواجس عديدة، حتى اتصل بنا وأخبرنا أنه دخل في الجانب الفلسطيني من الحاجز، يومها اطمأنت قلوبنا".

16 سنة انتظار

هنا احتارت والدة المحرر عامر العروقي (37 عامًا) من مخيم المغازي في التعبير عن فرحتها بوجود ابنها بقربها بعدما غيبته السجون عنها 16 سنة خلف القضبان، وحرمتها من زيارته منذ خمس سنوات، لكنها قالت بعفوية بصوت يغمره الفرح: "هذا أحلى رمضان وأحلى عيد بحياتي كلها".

في 15 مارس/ أذار الماضي، انتهى حكم العروقي البالغ ست عشرة سنة، كانت والدته تتمنى أن تكتحل عيناها برؤيته وأن تحتضنه وتزوجه وترى أحفاده قبل أن ترحل عن الدنيا.

لحظة الإفراج ركضت والدة العروقي عندما أطل من حاجز بيت حانون (إيرز)، متحاملة على ألم مفاصلها تفرد له ذراعيها في مشهد امتزج بدموع الفرح، وهو ركض نحوها يقبل قدميها ويعانقها في مشهد حضرته الدموع، بدأت والدته حديثها مع صحيفة "فلسطين" عن اللحظة التي وصفتها بـ "العيد": "رغم أن الاحتلال أخرنا لساعات المساء حتى أفرج عنه، وانتظرنا تحت لهيب الشمس إلا أن الفرحة غمرتنا بتحرره، كان ينادي من بعيد: "بدي أمي"".

عن مأساة الانتظار خلال السنوات الـ 16، تنهدت بعمق وامتزج صوتها بالفرح: "هي فترة عذاب، وحزن منعت من زيارة ابني منذ خمس سنوات، والآن أعيش أجمل لحظات بوجوده على موائد الإفطار بيننا وها نحن نستقبل العيد بحضوره".

 جهزت العروقي بيتًا جميلًا لنجلها، وتبحث الآن عن عروس له حتى تكتمل أمنيتها بتزوجيه ورؤية أحفادها، تعيش فرحات متتالية بعد ست عشرة سنة عذب قلبها الشوق والحنين لضمة واحدة لنجلها خارج الأسر.

جبل المحامل

"لم يمر علي عيد قبل ذلك، فهناك شيء يفتش عليك أحزانك، مختبئ بداخلك، هم ومعاناة تبقى تعيشها الأم طالما ابنها بعيد عنها" هذا ما عبرت عنه والدة المحرر عوض الصعيدي (45 عامًا) الذي يمضي رمضانه وعيده الأول بين عائلته بعد غياب دام 19 عامًا في سجون الاحتلال، وفي نفس الوقت تعيش والدته عيدها الأول.

لم يحمل قلب والدته هم انتظاره 19 سنة، بل حملت هم انتظار ابنها أكرم الذي اعتقله الاحتلال تسع سنوات وأفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، وابنها صهيب الذي اعتقل مدة خمس سنوات، وابنها الشهيد زكريا الذي قتله الاحتلال قبل عشرين عاما، وبيتها الذي دمر خلال حروب الاحتلال العدوانية على غزة.

على الرغم من كل ما تعرضت له من معاناة، إلا أنها قابلت ذلك بالصبر والإيمان يمتلئ بها صوتها لصحيفة "فلسطين": "حملت همًا كثيرًا، لكننا مؤمنون وهذا واجب علينا، لأننا نعيش في بلاد محتلة ولا يوجد أغلى من فلسطين".

تعيش والدته أجمل لحظات عمرها بوجود ابنها عوض بينهم، لحظات انتظرتها بفارغ الصبر خاصة أن الاحتلال حرمها من زيارته منذ 2014، لكن لا زالت غصة قهر حرمانها من الزيارة عالقة في قلبها: "بمجرد أن ترى ابنك في زيارة قصيرة فهذا بهون عليك كل معاناة الانتظار".

 تختم بصوت منتشي بفرحة الإفراج: "الحمد لله الآن هو ساكن عندي وأراه صباح مساء، هدأ بالي واطمأن قلبي، وتزوج خطيبته التي انتظرته عشر سنوات".