كانت المرة الأولى التي هدد فيها محمود عباس بحل السلطة الفلسطينية بتاريخ 4/12/2010، يومها قال في مقابلة تلفزيونية مع "رويترز" إنه إذا لم تتوقف إسرائيل عن بناء المستوطنات، سيسعى لإنهاء الحكم الذاتي الفلسطيني، وأضاف محمود عباس بقوة وشموخ: "لا يمكن أن أبقى رئيسًا لسلطة غير موجودة".
وتوالت التهديدات بحل السلطة في نهاية كل شهر، لذلك جاء آخر تهديد بحل السلطة عشية رأس السنة 2022، حين قال عباس للإسرائيليين: إننا لن نقبل ببقاء احتلالكم ومستوطناتكم على أرضنا مهما كانت التضحيات، ولقد نفذ صبرنا على هذا الواقع المرير، الذي يعيشه شعبنا منذ قرابة ثمانية عقود.
منذ سنة 2010، وحتى يومنا هذا والتهديد بحل السلطة قائم، وعدم السكوت على بقاء الاحتلال، ومع ذلك لم ينفذ التهديد، فمحمود عباس يعرف أن إسرائيل لن تخاف من تهديداته، ومحمود عباس يعرف أن إسرائيل تعرف ما خفي من عيوب القيادة الفلسطينية وما ظهر، ويعرف أن أمريكا تتطلع على ما تبديه أنفس القيادة وما تخفيه، ويعرف عباس أن الأنظمة العربية كافة تطل من فوق المقرات الأمنية على حال القيادة الفلسطينية، ويعرف عباس أن حل السلطة يعني خروجه مع نجليه ومساعديه من المشهد السياسي، وما يترتب على ذلك من مسائلة ومحاسبة.
فمن المقصود بتهديدات محمود عباس المتكررة بحل السلطة؟
أزعم أن محمود عباس يريد أن يوصل رسالة إلى الشعب الفلسطيني، بأنه زاهد في السلطة، وأن قبوله بهذا الوضع القائم على التنسيق والتعاون الأمني مؤقت، وأنه سيكون مع المقاومة الشعبية، والهدف من ذلك كسب تعاطف الشعب الفلسطيني، ورضاه عن سياسة عباس!
قبل أحد عشر عاماً، كان للتهديد بحل السلطة قيمة، في ذلك الزمن صفق الشعب الفلسطيني للرئيس البطل الذي يرفض أن يدير مفاوضات عبثية، وأنه سيتخلص من اتفاقيات أوسلو، ويبدأ مرحلة جديدة من تحرير الأرض، في ذلك الزمن، هتف البعض للرئيس الذي يرفض أن يكون وكيلاً للاحتلال، وراح يعد نفسه لمرحلة من التحرر، في ذلك الزمن، انبرت أقلام الكتاب الفلسطينيون والعرب، وراحوا يكيلون المقالات عن النتائج المترتبة على حل السلطة، وعن مصير قيادة منظمة التحرير، وكيف ستدير المواجهة والمعارك مع الجيش الإسرائيلي، وكتب البعض عن أهمية الوحدة الوطنية، ولملمة الصف المبعثر كخطوة ضرورية في اللحظة التي ستحل فيها السلطة الفلسطينية، ولم يخطر في بال كل أولئك أن محمود عباس سيلتقي مع وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس نهاية سنة 2021، لتثبيت أركان السلطة.
لقد طالب محمود عباس من الإسرائيليين تزويده بالأموال خشية انهيار السلطة، و يطالب من وزير الحرب الإسرائيلي الموافقة على زيادة عدد المجندين للأجهزة الأمنية، ويطالب بالمزيد من الأسلحة لحفظ الأمن، بعد أحد عشر عاماً من التلويح بحل السلطة، يحذر محمود عباس وزير حرب العدو من تحول النزاع بين الطرفين إلى حرب دينية.
التهديد بحل السلطة وتسليم المفاتيح تهديد بلا رصيد، تهديد الأكذوبة التي يجب التنبه إليها، فالسلطة الفلسطينية مشروع إسرائيلي، ومصلحة إسرائيلية، ومكسب سياسي إسرائيلي لا يضاهيه إلى احتلال فلسطين سنة 1948، ولن تسمح إسرائيل، ولن تسمح أمريكا بحل السلطة، فهذا الانجاز الذي تحقق بالمال الأوروبي والأمريكي والإسرائيلي، لا يمكن التفريط فيه، لذلك فالرباعية الدولية حريصة على بقاء السلطة، وحريصة على تمويلها، وتقويتها، وتسليحها، كأحسن ضابط أمن يسيطر على مقدرات الشعب الفلسطيني، وكأحسن عصا غليظة، تقصم ظهر المقاومة الفلسطينية باسم الوطنية، والحفاظ على المشروع الوطني، وهذا ما يجب أن يتنبه له الشعب الفلسطيني وتنظيماته المقاومة للاحتلال.