قديما دعونا الله أن يحمي قصيتنا الفلسطينية من أبنائها، أعني من انحراف الرؤية عند بعض قياداتها بدعوى استنقاذها، أو بفرضية الواقع الصعب. حين ذهبت قيادة منظمة التحرير لصلح منفرد مع رابين، ووقعت اتفاقية أوسلو التي تنتقص الحقوق الفلسطينية، زعم الموقعون أنهم يئسوا من العطاء العربي، وأنهم باتوا مجبرين على استنقاذ ما يمكن استنقاذه، وكانت النتيجة أنهم أضروا بانتفاضة الشعب، وفتحوا الطريق لاستيطان مريح، ولإيقاف المقاومة، وفتحوا أيضا الطريق أمام الدول العربية للتطبيع مع (إسرائيل)، وباتت دول العالم تنتقد مقاومة الشعب، وتطالبنا بمواصلة التفاوض!
اليوم نحصد خللا آخر، وعارا جديدا، يهين قضيتنا، وينتقص من حقوقنا الثابتة، إذ إن منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست، وهي القائمة المشاركة في حكومة بينيت يصرح بأنه يقبل ويعترف بيهودية الدولة، وقانون القومية اليهودية، الذي يشطب حق الفلسطيني في فلسطين، سواء أكان هذا الفلسطيني من سكان الأرض المحتلة داخل الخط الأخضر، أو يسكن في الضفة والقطاع، أو يسكن في المنافي والشتات!
تصريح منصور عباس لا يمثل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وربما لا يمثل غير نفسه، لأن الضرر الرئيس من هذا القانون يلحق بالفلسطينيين داخل الخط الأخضر، ثم ببقية الفلسطينيين. لذا أقول وأنا على يقين من قولي إن جل أهلنا داخل الخط الأخضر يرفضون التصريح الذي تنازل فيه منصور عباس عن الحقوق الفلسطينية الثابتة.
هو ربما ينطلق من حالة يأس، يخضع فيها لضغط الواقع المرّ، ولكن يبقى الواقع واليأس مرضين قد يذهبان بموضوعية السياسي وحصافته، وما خضع قائد للواقع المرّ إلا كان حصاد خضوعه أشد مرارة، ومنظمة التحرير ومنصور عباس صنوان في هذا الحصاد المرّ.
هاجمت حركة فتح في بيان لها منصور عباس هجوما عنيفا، وهذا من حقها، وهو يستحق ذلك، لأنه تجاوز الوطنية الفلسطينية المتوارثة، ولكن يجدر بحركة فتح أيضا أن تطالب محمود عباس بمراجعة موقفه، لأن أوسلو مرّ وكارثي، وبعض تصريحات عباس كتلك التي تقدس التنسيق الأمني مرّة، وتنتقص الحقوق الفلسطينية.
ما أود قوله إنه يجدر بكل الفلسطينيين أن يجتمعوا معا لإغلاق طريق التنازلات، والمحافظة على المتوارث، والصبر أمام الواقع المرّ وتحدي عوامل اليأس والتعالي عليها وإن كثرت وتنوعت، ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج، في ديننا لا يأس مع الإيمان، ولا ضعف مع قوة الله وعظمته. توكلوا على الله وعودوا إليه، ولن يتركم أعمالكم، اللهم احمِ قضيتنا من أبنائها.