تشهد مدن وقرى الضفة الغربية صراعا غير مسبوق بداية من اعتداءات الاحتلال واقتحاماته وجنباً إلى جنب تسارع حملات الاعتقالات التي تشنها أجهزة أمن السلطة ضد كل الذين يناصرون المقاومة ويدعمونها، والذين يعملون على كشف الفساد المتجذر في مؤسسات السلطة، إن تلك البدايات مؤشر خطير على قرب اشتعال انتفاضة شعبية ضد الاحتلال وأدواته الهزيلة التي تستمد قوتها من وجوده وصولاً لتحطم هذه المنظومة في الضفة.
يخطر في بالنا العديد من التساؤلات أهمها: إلى متى سيبقى الشعب صامتاً أكثر على محاكمات السلطة لوطنيين من أحرار شعبنا ونخبته، رفضوا الفساد فما كان جزاؤهم إلا أن اعتقلت السلطة 35 منهم ودفعتهم إلى محاكمات تسعى من خلالها إلى إخفاء وجه السلطة القبيح الذي قتل الشهيد نزار بنات، ويعتقل المقاومين ويلاحقهم بأشكال وصيغ مختلفة، فإن السلطة بات مشروعها على وشك السقوط من المنظور الفلسفي لم تعد قادرة على إخفاء أجندتها الخدماتية التي تقدمها للاحتلال، ومن المنظور العملياتي لم تعد قادرة على السيطرة على مدن وقرى الضفة، وإن كانت تتعامل بالحديد والنار إلا أنها مشغولة أيضاً بتأسيس ودعم مراكز القوى للتجهيز لمرحلة خلافة محمود عباس.
هذا ما يحدث في الضفة، السلطة الفلسطينية تفقد قوتها وحضورها وثقة الناس بها ضعيفة للغاية، وكذلك ما يحدث من أحداث فوضى السلاح واشتباكات بين العائلات في الضفة دليل على قرب اشتعال انتفاضة جديدة في الضفة، وهو ما حذر منه رئيس جهاز الشاباك الصهيوني رونين بار في الاجتماع الأخير للمجلس الأمني الصهيوني بقوله "إن احتمال انهيار السلطة بات كبيراً".
وهكذا فإن الاحتلال ومؤسساته الأمنية باتوا يرسمون معادلات جديدة بالتنسيق مع حلفائهم للعمل من أجل بقاء السلطة لتأدية دورها الوظيفي بالتنسيق الأمني دون الاضطرار إلى تقديم تنازلات، وفي الكواليس يدركون أن سقوط السلطة يعني انفجار الضفة في وجه الاحتلال تكتيكيًّا، يعملون على دعم السلطة مالياً ويطالبون الدول الأوروبية بدعم ميزانية السلطة، رغم أن الدول الأوروبية باتت في حرج من دعم سلطة فاقدة للشرعية الشعبية الفلسطينية تتهرب من إجراء انتخابات ديمقراطية، إذ إن ضعف ميزانية السلطة سيكون القشة التي تقصم ظهر البعير، فشريحة واسعة من العاملين في أجهزة أمن السلطة غير مؤمنين بفلسفتها الأمنية لكنهم يعتبرونها شركة تقدم لهم المال والامتيازات، فإذا ما بدأت السفينة في الغرق سيكونون أول من يقفزون منها.
لقد تمكنت المقاومة بعملياتها النوعية ودفاعها المستمر عن حقوق شعبها بدماء أبنائها وفق رؤية ذكية وحازمة أفقدت الاحتلال الردع، وهو ما أكده الكاتب الصهيوني أليؤور ليفي، بأن المقاومة الفلسطينية من خلال عملياتها أفقدت جيش الاحتلال قوة الردع، وهذا ما تؤكده الوقائع على الأرض خاصة بعد معركة سيف القدس.
إن التحدي الآن يتزايد بجدية، ويتطلب العمل وطنياً على دعم انتفاضة شعبية صاعدة في الضفة الغربية ضد الاحتلال وانتصاراً لمظلومية شعبنا الذي يقاسي الآلام والعذابات بفعل الاحتلال، وأن الوقت الآن وفي ظل زيادة وتيرة العدوان على أسيراتنا وأسرانا في سجون الاحتلال مرشح للانفجار، وإذا ما وجه هذا الانفجار الشعبي بالشكل الصحيح وطنياً وبتكاتف الجهود النضالية من القوى والفصائل وأحرار شعبنا فإن استعادة حضور القضية والوطنية وانتزاع حقوقنا بات ممكنا في ظل مراكمة القوة ورفع مستوى العمليات الفدائية سنصنع واقعاً جديداً في الضفة لا يستطع الاحتلال ملاحقته، وسيشعر بصدمة الجماهير الفلسطينية الثائرة في شوارع المدن والقرى في الضفة، وستبقى المقاومة حاضنة المشروع الوطني والممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني.