ما زال الوضع الفلسطيني يثير قلق الأوساط الأمنية الإسرائيلية على مختلف الأصعدة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وصولا إلى فلسطينيي الـ48، وانتهاء بفلسطينيي الشتات والمهجر، ما يجعل الملف الفلسطيني الأكثر انشغالا لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب، التي تجد أمامها جملة من التحديات الأمنية والتهديدات العسكرية المحيطة بها.
لكن كل ذلك لا يحول دون تصدر الساحة الفلسطينية للأجندة الإسرائيلية السياسية والأمنية والعسكرية، خاصة أن الحديث يدور عن "عدو من الداخل"، يشكل تهديدا حقيقيا، يمكن أن يوصف بأنه "تهديد وجودي" لدولة الاحتلال، رغم الفوارق الفلكية في موازين القوى بين الجانبين.
في الوقت ذاته، تبدي المحافل الإسرائيلية حالة من "المكابرة" تجاه التحدي الذي يشكله الفلسطينيون، باعتبار أنها قادرة على التغلب عليهم، من خلال فرض الأمر الواقع، والاكتفاء بالقوة العسكرية الغاشمة، وهي لغة المحتل في كل الأزمنة والأمكنة، لكنها في كل مرة، ويا للمفارقة، تثبت فشلها وإخفاقها، وهي تجربة تأكد عدم جدواها في جميع تجارب الشعوب وحركات التحرر الوطني.
يمكن تعميم الفشل الإسرائيلي في هذه السياسة على الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين عام 48، إذ اتسمت السياسة الإسرائيلية في كل من هذه المناطق بأسلوب مغاير، مختلف عن الأسلوب الآخر، ورغم ذلك فقد صدرت أصوات إسرائيلية داخلية تطالب بإعادة التموضع في سياساتها الفاشلة.
في الضفة الغربية تواصل آلة القمع الإسرائيلية عملها، وتمعن بملاحقة الفلسطينيين، رغبة بالقضاء على كل محاولة فلسطينية للمقاومة، واستهداف جنود الاحتلال والمستوطنين، لكن كل هجوم فدائي وعملية مسلحة كان آخرها عملية "حومش" يعلن بما لا يدع مجالا للشك أن المقاومة حية وباقية وقائمة، رغم كل محاولات "جز العشب" التي تنفذها قوات الاحتلال.
في قطاع غزة، يدخل الحصار الإسرائيلي الظالم عامه السادس عشر، ويمعن الاحتلال في حرمان الفلسطينيين من أبسط الحقوق الآدمية، ويحصون عليهم أنفاسهم، والسعرات الحرارية التي يحتاجون إليها من أجل إبقاء رؤوسهم فوق الماء، فلا هم يحيون ولا يموتون، وفق السياسة الإسرائيلية المزعومة.
عند الحديث عن فلسطينيي الـ48، فقد بات واضحا أن "الجني قد خرج من القمقم"، وما أحداث مايو الماضي وما شهدته المدن الفلسطينية المحتلة خلال هبة الأقصى، إلا نموذج حي وشاهد أكيد على عقم سياسة الصهينة والأسرلة التي انتهجتها دولة الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود وزيادة.
أما فلسطينيو الشتات والمهجر، فهم العمق الجغرافي والتاريخي للفلسطينيين، والسند الذي تسعى دولة الاحتلال لإبقائهم خارج معادلة الصراع معها، رغم بعد المسافات عن الجانبين، لكنهم أثبتوا في كل مرحلة أنهم القابضون على الجمر، والباقون على القضية، رغم العقود الطويلة التي مرت على تهجيرهم خارج فلسطين المحتلة.