منذ اليوم الأول لفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، عقدت لقاءات متتالية ومكثفة مع الفصائل الفلسطينية من أجل التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، إلا أن الفصائل رفضت لعدة أسباب، ربما كان أهمها -من وجهة نظري على الأقل- أنها كانت تقع تحت تأثير حركة فتح، على اعتبار أن حركة حماس هي حركة إسلامية لا تؤمن بالشراكة السياسية والوطنية، وأيضا لم تكن في ذلك الوقت قد نضجت فكرة الوحدة الوطنية لدى العديد من فصائل العمل الوطني والإسلامي.
ولذلك لم تنجح حركة حماس حينها في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الموعودة، واضطرت إلى تشكيل حكومتها بلونها الواحد وهي الحكومة العاشرة.
ولكن بعد 15 عاما وما شهدته تلك السنوات من أحداث جمة، وما قدمته حركة حماس من مشروع وطني يخدم المقاومة ويرفع شأن القضية الفلسطينية، بينما في الاتجاه الآخر قدمت حركة فتح التنسيق الأمني المقدس الذي أدى إلى انحطاط سياسي، وتراجع غير مسبوق لقضيتنا في المحافل العربية والدولية حتى أنها شجعت العديد من الدول العربية على التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني.
وأمام هذا الانحدار السياسي والوطني الذي تسببت به السلطة الفلسطينية لجأت حركة حماس في السنوات الأخيرة إلى تنشيط الوحدة الوطنية وتجديد التحالف والتقارب مع فصائل العمل الوطني من أجل تمكين مشروع المقاومة أمام عجلة التطبيع والتنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني.
وظهرت ثمار هذا التقارب الوطني في معركة سيف القدس ذات الأحد عشر يوما التي ضربت فيها فصائل العمل الوطني أروع الأمثلة في الوحدة والتنسيق على المستوى السياسي والعسكري والأمني والإعلامي.
ولرفع وتيرة هذا التقارب الوطني استمرت حماس بعد معركة سيف القدس في عقد اللقاءات الثنائية بين قيادة الحركة وقيادة فصائل العمل الوطني والإسلامي، وعبرت البيانات التي نشرت عقب تلك اللقاءات عن حالة التفاهم والتوافق.
ولرفع وتيرة التنسيق انضم لتلك اللقاءات بحسب وسائل إعلام فلسطينية قيادات عسكرية من كتائب القسام وسرايا القدس، واستعرضت تلك القيادات آليات التنسيق العسكري وسيناريوهات جولات القتال القادمة مع العدو الصهيوني.
هذا التطور المتسارع في التقارب الفلسطيني فيه عديد الرسائل والدلالات أهمها وأولها للعدو الصهيوني: بأن كل محاولات بث الفرقة والفتنة بين الفصائل الفلسطينية قد باءت بالفشل وقد تحطمت على صخرة العلاقات الوطنية المتينة، وأن انزعاجك وخوفك من التقارب الوطني الفلسطيني فيه إشارة إلى ضرورة التمسك بهذا التقارب حتى يصل لأعلى درجات التفاهم، وهو رسالة إنذار للعدو الصهيوني بأن مشروع المقاومة لن يكتفي بأرض قطاع غزة بل سيستمر حتى يصل إلى الضفة والقدس لتكون شارة بداية التحرير بإذن الله تعالى.
ثانيا: هي رسالة للإقليم بأن الشعب الفلسطيني يتوحد على مشروع المقاومة وأن حماس تعمل وفق رؤية وطنية شاملة ولا يمكن لها إلا أن تكون خادمة للقضية الفلسطينية، وأن مشروع المقاومة هو الأقدر على صد دولة الاحتلال وكسر مؤامراتها، وأن على دول المنطقة أن تمد يدها لهذا المشروع الوطني الذي تقوده حماس لا أن تقاطعه وتطبع مع الاحتلال.
ثالثا: رسالة لشعبنا الفلسطيني ليقول كفى لحالة الضياع الوطني الذي تسببت به سلطة عباس، وكفى لذل التنسيق الأمني، وكفى لمنظمة التحرير التي لا نعلم عنها شيئا سوى أنها أصبحت منظمة التنسيق مع الاحتلال.
ولنكن أكثر واقعية؛ من الواضح أن حركة فتح تعيش حالة من العزلة الوطنية عن شعبها وفصائله ومقاومته، وهي تعيش أسوأ مراحلها ومحطاتها بسبب سطوة مجموعة من الأشخاص على قرارها، وفي المقابل فإن المقاومة بكل فصائلها عبارة عن جسد واحد يحمل الكثير من التوافقات وبالتالي هي الأقدر على قيادة المشروع الوطني.
وما الحالة التي تشهدها الضفة المحتلة في هذه الأيام من الرفض لكل أنواع الاستبداد من قبل أجهزة السلطة الأمنية، وكذلك تصاعد المقاومة ضد قوات الاحتلال إلا الأمل الذي تجدد في نفوس أهلنا هناك في قرى ومدن ومخيمات الضفة بعد معركة سيف القدس.
فالفرقة و التنسيق الأمني والتطبيع ما هي إلا جبال من ثلج، إذا سطعت عليها شمس الحرية والوحدة والمقاومة فإنها تذوب ويذوب معها أصحابها الذين حاولوا أن يصلوا إلى سحاب الوهن والهوان.