شهدت حركة حماس تطورًا كبيرًا في بنيتها المقاوِمة، سواء في غزة أو الضفة على مدار السنوات العشر الأخيرة، ففي غزة كلنا يعلم مدى هذا التطور في المقاومة وقوتها وجهوزيتها على الأصعدة كافة، ولكن هذا المقال سيركز على الضفة المحتلة، وكيف استطاعت المقاومة هناك أن تصل لما وصلت إليه على الرغم من التحديات الكبيرة.
بعد أحداث عام 2007 وما نتج عنها من انقسام في الساحة الوطنية الفلسطينية وما تعرضت له المقاومة في إثره، وتحديدًا حركة حماس من ضربات أمنية قاسية على يد أجهزة الأمن التابعة للسلطة من جهة وقوات الاحتلال من جهة أخرى، حتى ظن الجميع أن حماس قد انتهت في الضفة، ولكنها بعد قرابة 6 سنوات استطاعت أن تلملم جراحها فكانت عملية أسر وقتل ثلاثة مستوطنين في شمال الخليل في يونيو عام 2014 التي استشهد منفذاها القساميان عامر أبو عيشة ومروان القواسمي، هذه العملية كانت إعلانًا رسميًا بأن حماس متجذرة في الضفة ولم تقتلعها كل الملاحقات الأمنية غير المسبوقة ضد عناصرها وكوادرها ومؤسساتها هناك.
وبعد قرابة عام من هذه العملية النوعية اندلعت انتفاضة القدس عام 2015، وكان لحركة حماس الدور الكبير في استمراريتها، وكانت شرارتها في عملية "إيتمار" قرب نابلس التي نفذها خمسة من عناصر كتائب القسام وقتل فيها 2 من ضباط الاحتلال، وتبعتها سلسلة من عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار على مدار أشهر.
وأكدت هذه الانتفاضة أن الحاضنة الشعبية للمقاومة في الضفة موجودة وتستطيع أن تمدها بالمقاومين وتوفر الحماية لهم، وكان اللافت في انتفاضة القدس أن شبانًا صغارًا من مختلف الأعمار ومن كلا النوعين قد انخرطوا فيها، وكانت تلك إشارة واضحة لقيادة المقاومة إلى أن جيلًا جديدًا بدأ ينهض ويبادر من أجل الدفاع عن أرضه، ولم تؤثر فيه كل أنواع الدعاية السوداء.
اقرأ أيضًا: طرد المستوطنين وتحرير الضفة
اقرأ أيضًا: إشغال الساحات والصراع الخفي
ومن المؤكد أن معركة العصف المأكول كان لها الأثر الكبير على هذا الجيل وأيقظت فيه روح المقاومة ضد المحتل.
بعد انتفاضة القدس هذه اجتمعت قيادة حركة حماس وأكدت وجوب استمرار المقاومة في الضفة بل ودعمها بكل ما تستطيع، ووضعت الخطط من أجل هذا الهدف الكبير.
ومن أجل تثبيت قواعد المقاومة في الضفة، كان يجب أن تبنى بنية تحتية متينة للمقاومة، وأن تتغلب على كل التحديات الأمنية والاستخبارية، وهذا المشروع الكبير كلف تضحيات جسام، فاعتمدت قيادة حماس النفس الطويل من أجل الوصول للهدف المنشود على أن يتخلل ذلك عملية هنا وعملية هناك لتبقى جذوة المقاومة حاضرة في الضفة.
ثم جاءت معركة سيف القدس عام 2021 التي عززت المقاومة وأحيَتها في نفوس الشباب الفلسطيني في مدن وقرى ومخيمات الضفة، بل ودعمت مشروع تشكيل البنية التحتية للمقاومة هناك.
من الواضح أن حماس اعتمدت بعد معركة سيف القدس سياسة عدم الإعلان عن عملياتها في مناطق الضفة والقدس، وكما تتذكرون كان يطلق عليها العمليات الفدائية الفردية، وهذا الأمر أسهم في الاستمرار في بناء مقدرات المقاومة، والتحاق الشباب بها، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من وجود عشرات بل مئات المقاومين الذين تشكلت منهم الكتائب المقاومة، وتحديدًا في جنين، ونابلس، وطولكرم، وأريحا، وغيرها.
هذه البنية التحتية للمقاومة بالضفة استغرقت جهدًا متواصلًا على مدار العقد الأخير، وشكلت صدمة كبيرة لأجهزة الاستخبارات الصهيونية ومن لف لفيفها التي اعتقدت أن حماس لم تعد قادرة على العمل بالضفة بفعل الضربات الأمنية التي وجهت لها، وهناك من ظن من أبناء شعبنا أن حماس غائبة عن ساحة الضفة، ولا يوجد لها أي فعل مقاوم، وهذا كان تكتيكًا حمساويًا فريدًا حتى تتجاوز القبضة الأمنية التي تمارسها أجهزة أمن السلطة للأسف، وبكل تأكيد أيضًا جهاز الشاباك الصهيوني.
واستطاعت حماس تجنيد وتسليح عدد كبير من الشبان الذين تتوق نفوسهم للجهاد والمقاومة وكان للقيادي في كتائب القسام مصعب اشتية الدور الكبير في ذلك، وقد اعتقلته أجهزة أمن السلطة فيما بعد ولا يزال معتقلًا في سجونها بالرغم من كل المطالبات بالإفراج عنه.
في الآونة الأخيرة اعتمدت حماس سياسة الإعلان عن عملياتها، وقد كانت عمليتا الخليل وحوارة آخرَها.
هذه السياسة تؤكد أن المقاومة باتت أكثر قوة في الضفة وترتكز على بنية متينة.
الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس بات الأكثر تأثيرًا في ساحة الضفة وهو القائد الذي رسم سياسة المقاومة في الضفة على مدار العقد الأخير، ولذلك أصبح اسمه الأكثر تداولًا في وسائل الإعلام العبرية.
وعلمت من دوائر مقربة من الشيخ صالح أن الاحتلال عبر أجهزته الاستخبارية حاول مرارًا التجسس على تحركاته وتحديدًا في لبنان، وتهديدات نتنياهو ضد العاروري واضحة في هذا الإطار.
حديث الشيخ صالح عن الحرب الشاملة، عوضًا عن أنها أربكت حسابات دولة الاحتلال، فإنها تشير بما لا يدع مجالًا للشك إلى أن قيادة حماس باتت أكثر اطمئنانًا وثقة بأن الضفة أصبحت جاهزة كما هي غزة، والأيام القادمة ستكون شاهدة على ذلك.
حفظ الله شعبنا ومقاومته.