غالبا ما دأبت السياسة الإسرائيلية على تصدير فشلها الداخلي إلى أسباب وعوامل خارجية، باعتبارها "أريح لها"، لأنه يزيح عن كاهل صناع القرار فيها مسؤولية العجز أمام تنامي قدرات المقاومة الفلسطينية، رغم أنها مقاومة تعمل داخل الأراضي المحتلة، وتستهدف مواقع وأهداف الاحتلال داخل ذات الأراضي، وما الحديث الإسرائيلي عن تلقي تدريبات، أو الحصول على تمويل، أو الإمداد بخطط قتالية، إلا تضخيم لدور قد يكون قائما فعلا، وهذا أمر طبيعي ومشروع، لكنها في الوقت ذاته رغبة إسرائيلية لا تخطئها العين في تحميل أطراف إقليمية ودولية مسؤولية فشل تتحمله هي، وهي فقط!
آخر هذه "التقليعات" الإسرائيلية من هذا النحو متعلقة بالاتهامات الموجهة للمقاومة الفلسطينية بشأن إقامة بنية تحتية عسكرية لها في لبنان، تحضيرًا لانخراط قتالي في أي عدوان قادم يشنه الاحتلال ضد غزة، كي لا ينفرد بها الاحتلال، ويصبح لسان حالها "يا وحدنا... يا وحدنا".
المقاومة الفلسطينية في هذه الحالة ليست مضطرة لأن ترد على كل اتهام إسرائيلي لها بالعمل داخل أي دولة عربية وبقعة جغرافية توفر الدعم والإيواء والرعاية لها، نفيًا أو تأكيدا، رغم أن هذا الدور المنوط بفلسطينيي الخارج أصيل وأساسي، ويقع في صلب مسؤولياتهم التاريخية للمرحلة المقبلة، بعيدا عن المحاولات الإسرائيلية والإقليمية والدولية الساعية لفصلهم عن أشقائهم داخل الأراضي المحتلة، وفي أحسن الأحوال اقتصار دورهم على التضامن المعنوي والإسناد الإعلامي فقط، وهو دور مهم وأساسي، لكن الانتقال به إلى الدور الميداني يضفي على المواجهة مع الاحتلال زخمًا ودسامة مكلفة له كثيرًا، وكثيرًا جدًّا، لأنه في هذه الحالة سيواجه أكثر من جبهة في آن واحد معًا.
في الوقت ذاته، جاءت زيارة وفد قيادة حماس برئاسة خالد مشعل إلى لبنان كي تضفي على دور اللاجئين الفلسطينيين هناك مزيدًا من المهام الملقاة على عاتقهم في هذه المرحلة الحساسة، ولا سيما بعد استشهاد أحد مقاتليها خلال مرحلة الإعداد، ثم ارتقاء عدد من عناصرها برصاص الغدر خلال مشاركتهم في تشييع الشهيد في مخيم البرج الشمالي.
لم تغب زيارة مشعل ورفاقه عن المتابعة الإسرائيلية الحثيثة، باعتبارها تتويجًا للجهد الدؤوب الذي تقوم به المقاومة الفلسطينية لأخذ دورها المهم والأساسي في إسناد غزة ومقاومتها للرد على أي عدوان غاشم، ما يمنح هذه الزيارة، وما حظيت به من استقبال شعبي من عموم اللاجئين الفلسطينيين، وبعض الأوساط الرسمية اللبنانية، أهمية استثنائية، سواء في التحضير لمرحلة قادمة، أو المراكمة على مراحل سابقة في ترسيخ مزيد من الدور لفلسطينيي الخارج، لأخذ مكانهم الصحيح في أي استحقاق قادم قد تتعرض له القضية الفلسطينية، سياسيًا كان أو ميدانيًا.