يومًا بعد يوم، تزداد آلة القمع الإسرائيلية ضد فلسطينيي48، القابضين على الجمر، لتعبّر عن غاية في النظرة الإسرائيلية المتطرفة لمستقبلهم، من خلال ما يطرح من اعتبارات قومية ودينية وسياسية وديموغرافية، لا سيما وأن كثيرا من متخذي القرارات الإسرائيلية خلال العقود الأخيرة، زادوا من تحذيراتهم مما أسماها "المخاطر" المتزايدة لفلسطينيي48 على ما يصفونها بـ"الدولة اليهودية".
مع أن سياسة التمييز العنصري الإسرائيلية تعود لقاعدة مفادها "أقلية فلسطينية ذات عقلية أكثرية، إزاء أكثرية يهودية ذات عقلية أقلية"، وفي النتيجة فإن القناعة الإسرائيلية تصدر من فرضية أن فلسطينيي48 غير مستعدين لقبول حل أقل مما يُرى انتحارًا لإسرائيل، ما يعني أن لديهم "رفضًا خالصًا" للدولة اليهودية، لأنهم جزء أخذ يكبر في المجتمع الإسرائيلي، مبديًا شكوكهم في القدرة على إدخالهم تحت جناحي هذا المجتمع.
هذا يؤكد النظرة الإسرائيلية بأن التيار المركزي بين فلسطينيي48 لا يعتقدون بشرعية قيام دولة يهودية، حتى لو نشأت بجانبها دولة فلسطينية في الأرض نفسها، بين الأردن والبحر، وبدلًا من ذلك، فهم يطالبون بالاعتراف بالجماعة الفلسطينية باعتبارها أقلية قومية، تحظى بمكانة معترف بها، مع "سحق إلى درجة الإلغاء" للأهداف القومية اليهودية.
في المقابل يرفض المتطرفون اليهود بشدة ما يطرح من شعارات من قبيل أنها "دولة لجميع مواطنيها"، لأنه شعار يخفي فكرة إنشاء دولة ثنائية القومية على أنقاض الدولة اليهودية، وهو من شأنه أن يغير بالتدريج الميزان السكاني بين اليهود والعرب، بحيث يتم رفض قانون العودة "الإسرائيلي"، وتبني حق العودة "الفلسطيني".
يعتقد الإسرائيليون أن عداء فلسطينيي48 لإسرائيل ليس مقتصرًا على القدماء منهم فقط، ممن عاشوا النكبة، أو سمعوا عنها من آبائهم، على العكس من ذلك، فإننا اليوم أمام جيل أكثر شبابًا وثقافة، وقد رُبي على تصور أن مقاومة الدولة اليهودية جزء من هويته، على أمل إعادة البلاد إلى عروبتها، وهو ما تجلى في أحداث هبة أكتوبر 2000.
في الوقت ذاته، فإن أهم إنجاز حققته دولة الاحتلال هو انفصالها عن الفلسطينيين عام 2005، بانسحابها من غزة، وهو ما تسميه "استقلالها عن الفلسطينيين"، رغم أن الفلسطينيين يحتاجون للاستقلال عنها، مع أن المشكلة الأساسية لإسرائيل لا تتمثل بالقيادات السياسية الفلسطينية، بل في الشعب الفلسطيني كله، الذي لا يعتبر "شريكاً" لليهود في التسوية التاريخية، ولا يعترف في الأصل بدولتهم القومية، وهو ما ينطبق على فلسطينيي48، الذين يرون أن الزمن يعمل لصالحهم.
يصل "الهوس" الإسرائيلي حد مطالبة صناع القرار بضرورة اتباع استراتيجية "الانفصال" عن فلسطينيي الـ48، لمضاءلة ما يصفونه "الضرر المتوقع"، محدداً مطلبه بالانفصال عنهم على غرار "جدار الفصل" في الضفة الغربية والقدس، لأن مسار الانفصال هذا سيُصعب من جعل عرب الخط الأخضر "وكلاء" للنضال الفلسطيني الموجه ضد دولة الاحتلال.