فلسطين أون لاين

يوتيوبر مقدسي يجمع 350 ألف دولار لإغاثة اللاجئين

تقرير "عطاؤك دفؤهم".. رحلة لجوء عمرها 45 ساعة

...
غزة/ هدى الدلو:

أصابع يده لا تزال تشتكي البرد بعد ساعات قضاها في العراء مرتديًا ملابس خفيفة ليشعر بمعاناة من فقد مسكنه عنوة، أو نزح من وطنه تحت تهديد القصف، وآخرين بدافع الحاجة بحثًا عن حياة كريمة لم يجدها حيث يعيش.

يتساءل الشاب المقدسي صالح زغاري، عن حال اللاجئين والنازحين الفلسطينيين من لبنان وسوريا طيلة فصل الشتاء الذي يطرق المنطقة فلكيًا بعد أيام، وقد لامس بضعًا من لسعات برد ليلة خريفية قضاها في خيمة، حيث أطلق حملة "عطاؤك دفؤهم".

زغاري (24 عامًا) طالب بكالوريوس يدرس صناعة الأفلام، وهو ناشط في قضايا القدس منذ 7 أعوام. اقتحم عالم اليوتيوب بداية العام عبر قناة خاصة ينشر من خلالها ما تلتقطه عدسة كاميرته، والأفلام التي يصنعها بأنامله.

يقول لصحيفة "فلسطين" عن فكرة الحملة، إنها راودته أو خطرت بعد حملة اليوتيوبر الكويتي الشهير "أبو فلة" الذي تمكن من جمع مليون دولار خلال 28 ساعة من البث المباشر، لإغاثة 17 ألف لاجئ ونازح سوري من برد الشتاء القارس.

ويضيف زغاري: "كل شخص لديه جيش من المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكنه استثمار ذلك في إفادة اللاجئين الذين يعانون قساوة البرد وحرارة الشمس المرتفعة، فلا ينجو شتاء ولا صيفًا".

ومن هنا يوجه دعوة لكل مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي بغض النظر عن أعداد المتابعين لديه لمساعدة أي شخص يحتاج إلى ذلك، "وبالتالي يمكن القضاء على الفقر".

ويوضح أن مواقع التواصل الاجتماعي تشكل رافدًا مهما للتواصل بين المجتمعات، وساهمت في نقل معاناة الشعوب الأشد فقرًا وحاجةً في العالم، واستكمالًا لهذا الدور الإنساني أطلق حملة "عطاؤك دفؤهم" بالتعاون مع مؤسسة الخير.

أن تصنع الفرق

ويبين أن الحملة هدفت إلى التخفيف من معاناة اللاجئين والنازحين في لبنان وفلسطين واللاجئين السوريين واليمن خلال فصل الشتاء، وتوفير احتياجاتهم من التدفئة، وتهيئة المنازل المُتهالكة، وكسوة الشتاء، والطعام.

ويشير أن الحملة تجاوزت الهدف المعلن بجمع 350 ألف دولار لتوفير الإغاثة الشتوية لـ3500 عائلة لاجئة ونازحة أي أكثر من 15000 شخص.

ولتحقيق هذا الهدف ثبت زغاري أوتاد خيمته الضعيفة في العراء، ليعايش برد الشتاء القارص الذي يضرب عظام اللاجئين حيث لا مكان يأويهم ولا سقف يحميهم، يحتمون بخيمة قماشية بالكاد ترد عنهم مياه الأمطار.

مع بداية الحملة، ظهر زغاري بملابس خفيفة وكلما زادت التبرعات زاد من قطع الملابس التي تحميه من البرد، يشعل النار ويطفئها بناء على التبرعات ليحمس الناس.

يقول: "عشتُ جزءًا من تفاصيل حياة اللاجئين، وذقت مرارة معاناتهم لساعات معدودة لينقل للناس وجعهم اليومي طيلة فصل الشتاء، فلا شيء يأويهم من الرياح والمطر، فاستطعت أن أؤثر بالناس ويقبلوا على التبرع".

وحصر زغاري هدف الحملة بجمع 350 ألف دولار اعتمادًا على عدد المشتركين في قناته على يوتيوب، مبينًا أن الفكرة تقوم على تبرع كل متابع بدولار واحد فقط.

ويؤكد أن الفكرة لا تنصب على جمع المال فقط لمساعدة اللاجئين، وإنما في غرس ثقافة التبرع لدى الناس، "وأن ما تراه بلا قيمة يصبح ذا قيمة كبيرة عند شعور الجميع بالمسؤولية الاجتماعية، وإذا ما فكر كل شخص بغيره من تقديم المعونة".

ويشير زغاري إلى أن الفكرة ليست فقط للاجئين، فأي شخص يمكنه أن يساعد أو يحدث تغييرًا بدولار واحد، سواء كان لمريض أو فقير أو لاجئ.

ويوضح أنه وخلال البث الذي استمر 45 ساعة وصله طلب مساعدة مريضة في مستشفى الخليل تحتاج إلى تبرع بوحدات دم من فصيلة نادرة، واستطاع المشاركون تقديم المعونة لها في الوقت المناسب.

ويأمل بعد 45 ساعة من البث المتواصل عاش فيها مع أناس لا يعرفهم ولا يعرفونه وتواصل معهم عبر الشاشات الذكية، أن يكون قد أخذ بيد غيره لتبني التكافل الاجتماعي كمنهج حياة مع أصحاب الحاجة من حولهم.

ويذكر أن رحلة الشاب زغاري مع الكاميرا بدأت وعمره 4 سنوات أثناء مداعبته للثلج في ساحات المسجد الأقصى، ولأن والده يعمل مصورًا فكانت الكاميرات تغريه للعبث بها، فكبر بينها واستكشف خباياها وأسرارها منطلقًا في رحلته إلى هذا العالم بكاميرا قديمة أخذها عن والده. وفي مرحلة الثانوية قيل له: "عينك حلوة في التصوير"، وذلك لإجادته التقاط الصور من زاوية جميلة، ومنها اقتحم عالم الأفلام بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة.

منذ اليوم الأول لارتباطه بالكاميرا، لم تفارق عدسته ساحات المسجد الأقصى الذي يراه مكانًا تعج زواياه وأركانه بالجمال، وقد نشر صوره في 22 معرضًا حول العالم وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، مكرسًا كاميرته لتنطق بلسان الشارع المقدسي.