تتزايد المواقف الإسرائيلية السياسية والعسكرية الخاصة بإمكانية تنفيذ عملية هجومية ضد إيران بالتزامن مع المفاوضات النووية الجارية في فيينا، تحسبًا لدخولها النادي النووي مع باقي الدول العظمى، الأمر الذي يطرح جملة تساؤلات عن فرضية ووجاهة هذه العملية العدوانية الإسرائيلية.
ابتداء من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذا الهجوم في حال وقع لن يوقف التطلع الإيراني إلى حيازة القنبلة النووية، صحيح أنها قد تتأخر عدة سنوات، لكن طموح طهران له أبعاد إستراتيجية بعيدة المدى، تتعلق بحصولها على حصانة كاملة من أي استهداف دولي وإقليمي لها، ولذلك قد لا يتأثر هذا الطموح بفوز هذا الرئيس أو ذاك، أو بقاء الحكومة الإسرائيلية ذاتها أو تغيرها.
أما وأن القراءة الإيرانية للمشروع النووي بهذه الطريقة، فإن تنفيذ هجوم إسرائيلي على منشآت إيران، في حال حصل؛ لن يكون سهلًا كما يتصور الإسرائيليون، رغم أنهم يعلمون أكثر من سواهم أن مهاجمة طهران لن تشبه مهاجمة سواها من عواصم المنطقة، مثل دمشق وبغداد وبيروت، التي تمتلك إيران فيها نفوذًا متقدمًا، ما يعني أن المواجهة قد تكون شديدة، وفق الرد الإيراني المتوقع، وهي مسألة تعتمد إلى حد كبير على حجم ومدى الضربة الإسرائيلية.
إن مراجعة خاطفة لجملة التصريحات الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية تعطي انطباعًا أن هناك قرارًا بتنفيذ هجوم إسرائيلي على إيران ربما بات وشيكًا، ولعل زيارة وزير الحرب بيني غانتس إلى واشنطن، والحديث عن تنسيق مع نظيره الأمريكي بشأن مناورة ميدانية لمحاكاة هجوم على إيران، بجانب إشارات أخرى تؤكد هذا الانطباع، الذي قد يكون هو الآخر جزءًا من الضغوط التفاوضية على طهران، على اعتبار أن العمل العسكري جزء من التفاوض بطريقة ساخنة، كما أن التفاوض أحد أشكال العمل العسكري بطريقة ناعمة.
في الوقت ذاته، ورغم التحمس الإسرائيلي لتنفيذ الهجوم العدواني على إيران؛ الكابح الأساسي يتمثل في إمكانية أن تسعى الأخيرة إلى الإيعاز لأذرعها وحلفائها في المنطقة بالرد على (إسرائيل)، وفي هذه الحالة سنكون أمام حرب إقليمية متعددة الجبهات، وهو خيار يشكل كابوسًا لـ(إسرائيل) تسعى للهروب منه، على اعتبار أن ذلك يعني العجز أمام مواجهة هذا السيناريو، رغم أن ذلك ليس مضمونًا في ضوء انشغال حلفاء إيران بمشاكلهم الداخلية، ما قد يعيق انضمامهم لهذه المواجهة القاسية والصعبة.
أيًّا كان القرار الإسرائيلي باتجاه تنفيذ هجوم ما على إيران، شامل أو جزئي؛ فإننا أمام استحقاق إستراتيجي كبير في المنطقة، قد يترك عواقبه الخطرة على تطوراتها، مع بقاء فرضية غريبة ولافتة، لكنها قد تكون قائمة، وتتمثل في استيعاب إيران هذه الضربة، تفويتًا لفرصة انضمام واشنطن لهذه المواجهة الكبيرة.