ليست المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤولون وضباط كبار في حكومة وجيش الاحتلال حرصهم على دعم السلطة الفلسطينية، وإمدادها بأسباب البقاء والديمومة، ليس بالضرورة رغبة منهم بأن تكون نواة لدولة فلسطينية مستقبلية مستقلة، ولا تحقيقا لأحلام الفلسطينيين بالتخلص من الاحتلال، وتحرير أراضيهم، ولكن لأن هذه السلطة، بتركيبتها الحالية ووظيفتها الراهنة، إنما تخدم الهدف الإسرائيلي بعيد المدى، والمتمثل في "تخدير" تطلعات الفلسطينيين، وتجميد طموحاتهم بطي صفحة الاحتلال، مرة واحدة، وإلى الأبد.
آخر الأصوات الإسرائيلية الداعية لدعم السلطة الفلسطينية، والحرص عليها، ومواصلة إمدادها بأسباب الاستمرار في مهامها هو "رونين بار" الرئيس الجديد لجهاز الأمن الإسرائيلي العام- الشاباك، خلال جلسة مغلقة لحكومة الاحتلال، حذر فيها من "إمكانية انهيار السلطة الفلسطينية إذا استمرت أزمتها المالية الراهنة من جهة، ومن جهة أخرى تواصل تراجع سيطرتها الأمنية على الضفة الغربية".
إلى هنا ينتهي كلام "بار"، الذي يقيم شبكة علاقات وثيقة مع كبار ضباط الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، حتى من قبل أن يترأس الشاباك، من خلال تبادل المعلومات وعقد الاجتماعات وإرسال الخطط الأمنية واستقبالها بينهما، بهدف واحد وحيد، وهو ملاحقة أي نواة للمقاومة في الضفة الغربية، والحفاظ على الوضع الأمني الهادئ الذي أسفرت عنه عملية "السور الواقي" التي نفذها جيش الاحتلال في 2002-2003، بأوامر أريئيل شارون، وتنفيذ شاؤول موفاز وموشيه يعلون، وقد أعقبها دخول المؤسسة الأمنية الأمريكية على مسار جديد أسمته "الفلسطيني الجديد".
لم يكن "بار" المسئول الأمني الإسرائيلي الأول الذي يبدي حرصه على السلطة الفلسطينية، وخشيته من انهيارها، فقد سبقه في ذلك وزير الحرب بيني غانتس الذي التقى أبا مازن سابقا، ووعد بلقائه مستقبلا، واعتبر أن دعم السلطة، والحفاظ عليها، يعتبر صمام أمان لصون دماء الإسرائيليين من أن تسفك في عمليات المقاومة، وقد أصدر تعليماته لكبار ضباط جيشه بمساعدة السلطة في استعادة قبضتها الأمنية، عقب ظهور حالات مسلحة في مخيمات اللاجئين هناك، ولا سيما في جنين ونابلس ورام الله، شكلت تحدياً لها، وزعزعة في استقرارها.
صحيح أن التحذيرات الإسرائيلية من انهيار السلطة الفلسطينية بدأت تصدر مؤخرا بصورة متصاعدة، تحمل قلقا على الأمن الإسرائيلي بالأساس في الضفة الغربية، الذي تتعهد السلطة بالحفاظ عليه، لكن هذه التحذيرات لا تخلو من تضخيم ومبالغة، فالسلطة مشروع إقليمي دولي، وما زالت وظيفتها قائمة، ومهما واجهت من صعوبات مالية، فإن "العالم" الذي أنشأها لن يسمح بانهيارها في يوم وليلة، لأنه ما زال معنياً ببقائها، لأنها تخدم مشروعا أكبر يتجاوز الفلسطينيين لما هو أبعد، ويتمثل بـ"تسكين" الصراع مع الاحتلال، والتعامل معه بمنطق الخلاف الثنائي الذي قد يحل بشتى الطرق، إلا المقاومة المسلحة التي ترهق الاحتلال، وتستنزف قواه.